لا يحتاج المرء إلى عناء كبير لفهم دلالات التقدير العالمي الذي حظيت به المبادرة التاريخية والشجاعة التي أعلنها فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية في الاجتماع المشترك لمجلسي النواب والشورى الأربعاء الماضي، سواء ما جاء منه على لسان الرئيس الأمريكي باراك أوباما أو وزيرة خارجيته، أو ما عبر عنه الاتحاد الأوروبي، أو غيره من الأطراف الدولية التي رأت في هذه المبادرة الشجاعة خارطة طريق للنهوض باليمن وتعزيز الوفاق الوطني وترسيخ عوامل الأمن والاستقرار في هذا البلد، الذي لاشك وأن أمنه واستقراره ينعكس إيجاباً على الأمن الإقليمي والدولي. حيث وأن الواضح والجلي أن ذلك التقدير كان نابعاً من إدراك المجتمع الدولي للمكانة الرفيعة والمتقدمة التي صارت تتبوأها الجمهورية اليمنية على الساحة العربية والإسلامية والخارطة الدولية عموماً، والدور الفاعل والمؤثر الذي تلعبه على نطاق العلاقات الإنسانية التي صار فيها الأمن الجماعي يمثل إحدى حلقات الارتباط وتشابك المصالح، مما يعني معه أن أمن واستقرار اليمن وإن كان شأنا وطنياً فإنه مطلب إقليمي ودولي، للاعتبارات السالفة الذكر. وإلى جانب كل هذا وذاك، جسد ذلك التقدير الدولي للمبادرة تعبيراً حقيقياً عن إكبار العالم للواقعية السياسية التي تميزت بها المنهجية التي خطها ورسمها فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح لقواعد الحكم في اليمن، والتي تستند على لغة الحوار كوسيلة حضارية لحل الخلافات والتباينات في وجهات النظر بين مكونات العملية السياسية والحزبية، ومعالجة ما قد يطرأ من تعارض في الرؤى والمواقف بالطرق السلمية، وبما يخدم المصالح العليا لليمن، ويعود بالخير والنفع على اليمنيين جميعاً. ومما لا شك فيه أنه لا يكفي أن يكون ذلك التقدير الدولي مبعثاً للاعتزاز بالنسبة لنا كيمنيين، بل لابد أن نستشعر معه حقيقة أن اليمن صارت كبيرة في نظر كل الأشقاء والأصدقاء بواقعيتها ومواقفها المتزنة ونهجها السياسي الحصيف، وأن علينا كمواطنين، أفراداً وأحزاباً، أن نكبر بحجم كبر اليمن وأن نرقى بمواقفنا وخطابنا وتوجهاتنا إلى المستوى الذي نكون فيه كباراً أمام أنفسنا أولاً وأمام الآخرين ثانياً. وذلك لن يتأتى إلاّ من خلال استلهام واستشراف المقاصد النبيلة التي استوعبتها مبادرة فخامة رئيس الجمهورية، والتي أظهرت أن هذا البلد له قلب ينبض بروح الحكمة وقيم الإيمان، التي وصفه بها نبي الإنسانية الرسول الكريم محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة والسلام. إذ لا يجوز بأي حال من الأحوال أن تجد تلك المبادرة كل ذلك الصدى الواسع الخلاق والشامل على المستوى العالمي فيما لم يصل هذا الصدى إلى البعض في الداخل، إما نتيجة لما اختلط على هذا البعض فهمه أو التبس عليهم معرفته أو لإصرارهم على العناد والمكابرة بدون مبرر، أو لعدم رغبتهم في المجاهرة بالحق والرجوع إليه، خاصة وأن تلك المبادرة كانت مستوفية لكل طروحاتهم ومطالبهم، أو لأنهم أدمنوا افتعال الأزمات وترديد الشعارات ومصطلحات التثوير التي كانت رائجة إبان حقبة الحرب الباردة، بحيث صاروا عاجزين عن تجاوز هذه الثقافة القديمة والفكاك منها. ومع ذلك فإن ما نأمله من هؤلاء أن يستخلصوا العبر والعظات مما يحدث من حولنا، وذلك بما يرشدهم إلى الصواب ويفتح أعينهم على الطريق الذي يحفظ لليمن أمنها واستقرارها وسلامة أبنائها ويصون مقدراتها ومنجزاتها ومكاسبها من الفتن والأزمات والعواصف التي تحوم على المنطقة العربية من جهاتها الأربع، وأن يعوا جيداً أن فخامة الرئيس علي عبدالله صالح عندما أطلق تلك المبادرة الشجاعة التي لبت كل مطالبهم، إنما انطلق في ذلك مما يمليه عليه ضميره الوطني تجاه بلاده وشعبه، وأنه عندما أقدم على هذه الخطوة كان محركه إلى ذلك تجنيب الوطن الانزلاق نحو أتون الفتنة والفوضى محتكماً إلى منطق العقل والتعقل والإرادة الصادقة والالتزام الراسخ بمصلحة اليمن وأمنها واستقرارها وكل ما يحقق لها الرخاء والنماء والازدهار. ولقناعته التي لا تتزعزع بأنه ومهما كانت الاختلافات والخلافات في الرؤى والمواقف بين المكونات السياسية والحزبية فإنه يمكن تصويب المسار والوصول إلى توافق وطني عبر الجلوس على طاولة الحوار المسؤول ومقارعة الحجة بالحجة والرأي بالرأي، باعتبار أن الجميع على اختلافهم وتنوعهم يجمعهم في النهاية الانتماء لهذا الوطن الذي لا وطن لهم غيره. ومما لا جدال فيه أنه قد آن الأوان لكي يدرك الجميع أن اليمن لا تحتاج - وتحديداً في هذه المرحلة- إلى المزيد من صرخات التصعيد وشعارات التثوير، واندفاعات التأزيم، وخطابات التأجيج، وانفعالات المصطادين في المياه العكرة. بل إن اليمن تحتاج إلى رجاحة العقل وصفاء النيات ونقاء السرائر ووحدة المواقف، والسير معاً وعلى مسافة واحدة من أجل حوار هادئ ومسؤول، ودفع كل الطاقات الوطنية باتجاه بناء هذا الوطن وتحقيق التطلعات المنشودة لأبنائه وجعل مصلحته فوق كل اعتبار.