- بقلم:لؤي يحيى عبد الرحمن الارياني - عندما تواجه الشعوب أوقات عصيبة, وتحاصرها المشاكل من جوانب عديدة فإنها عادة ما تستعين بقراءة تاريخها.. تبحث فيه عن حكمة الأجداد العظماء وتحاول أن تستلهم من ماضيها ما تواجه به حاضرها ومستقبلها.. ومن الجميل والمؤثر أن أجدادنا الطيبين تركوا لنا رسالة تحذير لكل الأجيال وكل العصور, تركوا لنا- على طريقة شفرة دافنشي- رسالة رمزية تحذرنا وتدق نواقيس الخطر في عقولنا.. ترك لنا الأجداد تلك الأسطورة الرائعة التي أرادوا تحذيرنا من خلالها ولكننا تهنا في الساعة السليمانية التي امتدت بنا عشرات السنين, حذرنا أجدادنا ببساطة من الفأر!! الفأر كان العدو الذي تسبب في تدمير حضارتهم وهو العدو الذي نواجهه اليوم.. وإن كنا لم نستطع في وقت سابق أن نعرف شكل وحجم هذا الفأر الذي دمر حضارة أبناء قحطان فإنه اليوم أصبح أوضح ما يكون.. أصبحت ملامحه القبيحة واضحة جلية بل إنني ومن خلال السطور القادمة أستطيع أن أصف لكم تلك الملامح مع التأكيد على أن الفأر وإن كان قد أصبح ضخما ذو ملامح شرسة بالفعل إلا أنه بالتأكيد ليس إلا فأرا حقيرا. أول تلك الملامح وأشرسها هو ذلك الذي يزور اليمنيين في كوابيسهم, الفساد.. ذلك الوحش الذي لا يحمل ملامحاً, فالجميع يتهم الجميع بالفساد.. هل هو السيارات والبيوت الفارهة للمسئولين- حيث اعتدنا على الإشارة إلى أي بيت فخم ونعت صاحبه بالسارق؟!- أم انه تلك الرشاوى التي يتلقاها صغار الموظفين لتمرير المعاملات؟ هل هو في التحايل في المناقصات؟ أم هو غياب الرقابة وغياب العقاب؟ أمضينا سنيناً طويلة في الحديث عن الفساد دون أن نستطيع حتى تحجيمه برغم أنه قد تحول من ثقب كبير في خزينة الدولة إلى خزينة الدولة بأكملها.. تعددت الأجهزة والهيئات دون أن تحرز تقدما في الحرب على الفساد, بل إنه في حد ذاته أصبح قيمة ايجابية فتجد الفاسد يتفاخر بفساده والنزيه لا يدري أين يخبئ وجهه من الخجل, فيصبح الفساد أسلوباً للحياة يصعب تجاوزه.. عندما لا تسمع عن شخص واحد حوكم بسبب تهمة فساد فاعلم أنك في بلد لا يوجد فيه فاسد واحد أو.. بلد أصبح الفساد فيه في كل مكان. عندما يكون المسئولين عن الثقافة رجال لم يدخلوا في حياتهم مسرحا ويكون المسئولين عن الثروة السمكية لا علاقة لهم بالسمك إلا خلال ساعة الغداء ويكون المسئولين عن الصحة لا يعرفون عن الصحة إلا أنها أغلى من الذهب, فأنت تواجه مشكلة كبيرة في الإدارة.. هذا غير الكثير من المناصب الهامة التي لا تمثل إلا معادلات توازن بغض النظر عن الكفاءة, ذلك المسئول الذي يخاف من عمل أي شيء كي لا يتهم بالفساد والآخر الذي يقوم بالكثير دون فائدة لأنه فاسد بالفعل, سوء الإدارة يجعل من الفرص الجيدة مجرد نظريات تحتاج إلى مئات السنين من الدراسة من أجل تحقيقها. قلة العقل! و تتمثل في العديد من السلوكيات والتصرفات, فهذه السطور مثلا ليست سوى هرطقة وتخاريف بل وقلة أدب بالنسبة للبعض حيث أن الحديث في أي شيء سلبي لا يمثل لهم إلا صوتاً مزعجاً.. صوت أظافر تخدش سطح أملس فيقومون بسد آذانهم فورا معتقدين أنهم بهذا سوف ينهون المشكلة من أساسها وللأسف تتمثل قلة العقل في إتباع أسلوب النعامة هذا في حل المشاكل وبأن "البهررة" في وجه أي شخص يتحدث عن أي مشكلة كفيل بحلها, وهناك جانب آخر يرى كل شيء سيئاً وأن أي شخص يتحدث عن شيء إيجابي في البلد فهو يستلم راتب من الحزب الحاكم وسيارة فارهة ويعين هو وأهله وأصحابه في أعلى المناصب وهي أيضا قلة عقل عجيبة, وهذا المبدأ البوشي "من ليس معنا فهو ضدنا" أحد أكبر مشاكل الحياة السياسية في اليمن, فأي سياسي محرم عليه الوقوف في منطقة رمادية أو منطقة وسط.. حتى ولو كانت اليمن تقف في تلك المنطقة!! ابتليت بلادنا بالكثير من (حمران العيون) يقفون في طريق تقدم اليمن حاملين (صميلا) ضخما حالفين أغلظ الإيمان أن لا يعيش أحد إلا هم ولا يثرى أحد إلا هم ولا يضحك إلا هم, المشكلة أن ضحكاتهم ينتزعونها مباشرة من صدور اليمنيين ومن تعبهم وغربتهم, يستولون على كل شيء دون ترك حتى بعض الفتات, منهم من يشعر أن كلمة الرحمة والقناعة كلمات توجد في قاموس اللغة الروسية وليس العربية فلا يفهمها ولا يتعامل معها ولا يرى في الإنسان إلا محفظة تمشي على قدمين ولا يرى في الفقراء إلا صفقة خاسرة ومنهم من يستطيع بمهارة كبيرة إبقاء المعارك مشتعلة فهو يدرك أن الجماجم التي تتبعثر في كل مكان تتحول بقدراته السحرية إلى أطنان من الذهب والسلاح ومنهم من لا يرى في رعيته إلا تروسا في آلته الضخمة لكسب الأموال ومنهم من يعرف التقنية المعقدة "لحلب القملي" ويخرج القرش "من عين الطاهش".. هم بالتأكيد من لا يعرفون الإجابة عن سؤال الجغرافيا البسيط: أين تقع اليمن؟؟ فهي بالنسبة لهم لا توجد على الخريطة بل تقع في خزائنهم ولا يستطيعون الإجابة على سؤال التعبير البسيط: ماذا يعني لك الوطن؟.. فكلمة وطن ليست عملة ولا أسهم بورصة وبالتالي لا يعرفونها أصلا.. ولكنهم يستطيعون الإجابة عن سؤالنا الهام حول ملامح الفأر.. فهم يرونه كل يوم صباحا عندما يحلقون لحاهم!! بشع هو بالفعل ذلك الفأر.. ذلك الفأر الذي رمز به الأجداد للعدو الحقير الشأن الذي إن لم ننتبه له فإن نتائج أفعاله تكون خطيرة للغاية.. رمز به أجدادنا إلى عدم تماسكهم.. إلى عدم تعاونهم وحزمهم في تعاملهم مع مشاكلهم والذي أدى إلى أن شيئا حقيرا كالفأر استطاع أن يفعل بهم ما فعل.. رسالة عبر القرون الطويلة تقول لنا أن نتحد وأن نقف صفا واحدا في مواجهة مشاكلنا.. أن ننتبه ولا نتبلد أمام تلك الاختلالات التي بدأت تقرض حجارة السد من جديد.. أن نرسل رسالة قوية وحازمة إلى كل تلك المشاكل التي عبر عنها بالفأر بأن اليمنيين يرفضون التحول إلى لصوص فاسدين, وأن اليمنيين لن يرحلوا فهنا بيوتهم وأصدقاؤهم وهنا الناس الذين يحبون والشوارع ورائحة البن, هنا الجبال العظيمة التي يتضاءل بجانبها أي متجبر, إن اليمنيين يرفضون الموت فالحياة ممكنة بل والأدهى أن الحياة الجميلة ممكنة وليست من مستحيلات العرب كما يوهمنا البعض, إن اليمنيين يرفضون أن يستمر الفأر في قرض حياتنا ووطننا.. فالحل ممكنا ويكمن في اتحادنا وعزيمتنا الحل يكمن في العمل بجد وإخلاص لهذا الوطن.. محبته والرغبة في أن يعيش اليمن واليمنيون حياة جميلة وهي ليست كلمات إنشائية وإنما أفعال عظيمة.. اليمنيون لا يرون في اليمن إلا بلدا عظيماً تسكنه أعرق الشعوب وأكرمها ولن يعيش إلا في عزة وكرامة. اليمنيون.. كل اليمنيين, يحرسون السد هذه المرة.. فمن مع الفأر..؟؟؟!!!! [email protected]