الثابت أنه كلما زادت الجماعات الدينية السياسية المنظمة في أي بلد تزايدت معها عمليات الدمار والتخريب والانفلات الأمني، والمحصلة هي تراجع عملية التنمية وتأزم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وانتشار الارهاب؛ وفي مجتمعات يختلط فيها الدين بالدولة تختلط الجماعات الارهابية بالنظام السياسي حينها يكون النظام نفسه مخترقاً وغير قادر على الضبط أو السيطرة. لن أقتنع أبداً بأن أية جماعة دينية مهما كانت المبادئ التي تختفي خلفها والشعارات التي ترددها بأنها تحمل مشروعاً ثورياً نهضوياً؛ لأن تلك الجماعات هي الهدف الحقيقي لأيثورة. منطق الثورة يرفض التعامل مع عقلية الفقيه، الإمام، المرشد؛ لأن هؤلاء جميعاً لا يتقنون فن التعامل مع متطلبات الانتاج والتنمية، فهم يفقدون مواقعهم ومكانتهم بمجرد توجه المجتمع نحو التنمية؛ لا يؤمنون بالحرية والديمقراطية لأنها تطلق العنان للفكر والإبداع الحضاري. منطق الثورة يرفض البقاء في الماضي والانكفاء على الذات تحت مبرر حماية الخصوصيات والمبادئ والمرجعيات بهدف الإبقاء على حالة التخلف الحضاري وعزل المجتمعات عن التفاعل مع تطورات العصر التي باتت حقيقة حية وسلوك تجسده حالة التلاقح اليومي بين المجتمعات البشرية في هذا الكون ضمن الفضاء الواسع للإعلام ووسائل الاتصال التي تتسم بالتحديث والتجديد بشكل يجعل العقل البشري مضطراً إلى الانفتاح والتحديث لمدركاته وأساليب عمله. حالة الانغلاق والاختناق التي تسعى إلى فرضها الجماعات الدينية على المجتمعات تتراجع تدريجياً؛ بل إنها تتلاشى أمام تقدم وعي المجتمعات؛ الأمر الذي يدفع بتلك الجماعات إلى التواري والهروب إلى نطاقات جغرافية وديموغرافية أكثر تخلفاً بما يتيح لها التقوقع مرة أخرى مرتبة أوضاعها لتستعد من جديد لشن هجماتها الارهابية على العالم المتقدم أو البيئة التي سبق لها أن رفضتها؛ إذ تعتبر تلك الجماعات وفقاً لفلسفتها أن التقدم الذي يحرزه العالم عدواً حقيقياً لها، فهي تمارس العنف وتصدر الرعب والارهاب لتنتقم، تناصب السلام العداء، تحارب الحرية، في الوقت نفسه تدّعي أنها صاحبة مشروع ينتصر للكرامة والعزة، فتستخدم من قضايا تسميها «قضايا الأمة» مثيرات مقترنة لتسويق خطابها التعبوي التضليلي كأن تدّعي أنها تحارب اسرائيل، أو تحارب الاستعمار والغزو الفكري، تحاول تصوير أن كل ما يحدث من تقدم في العالم الغربي والشرقي المتقدم بأنه كفر وبدع، وما تبثه وسائل الإعلام المتقدم ما هو إلا غزو فكري من أجل أن تظل هي المسيطرة على المراهقين والشباب وتحويلهم إلى أحزمة ناسفة يفجرون أنفسهم تحت تأثير التعبئة الخاطئة باسم الدين والوطنية والثورة. خلاصة القول: إن التطرف الديني والمذهبي الذي يعمّق ثقافة الكراهية والحقد والرغبة في تدمير كل ما هو جميل وخيّر لابد أن يكون هدفنا جميعاً محاربته؛ لأنه السبب الحقيقي للإرهاب، وإن الإرهاب هو عدو العالم والتنمية. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك