تستميت الآلة الإعلامية المضادة في إطلاق التصورات والتسريبات المضللة عن فشل حكومة الوفاق وعن رفض الدول المانحة دعمها ، ومقارنتها بحكومات النظام السابق وعهده . وهذه النغمة لا تبتعد كثيراً عن السياق المدروس للعرقلة الذي يذهب إلى قطع الكهرباء وأنبوب النفط والغاز وقطع الطرقات ورعاية أعمال البلطجة والتمردات وفتح مخازن السلاح وتهريبها ، ولم يبق شيء لم يفعلوه إلا التمنيات بقطع برنامج المانحين المخصص لدعم اليمن وعملية الانتقال السلمي للسلطة في فترة حرجة واستثنائية ، ولأن شبكة هذا الدعم ليست في مأرب ، وأنبوب تدفقه وقنواته المالية لا تقع قطعاً في شبوة ، فقد تعذر على المسعورين من أتباع النظام السابق أن يقطعوه ولم يبق لهم سوى الضجيج ضد حكومة الوفاق ،متحدثين عن فشلها ، ولم يكلف هؤلاء أنفسهم حتى عناء التساؤل عن مسؤولية صالح الذي حكم أكثر من ثلاثة عقود من الزمن ولا يريد أن يتحمل أي مسؤولية عما آلت إليه اليمن وشعبها في عهده المظلم الكئيب. المهمة الرئيسية لبرنامج الدول المانحة هي الدعم المادي للسلطة الانتقالية لتوفير الأمن والاستقرار واستعادة الدولة المختطفة التي لا زال بقايا النظام السابق ينازع الشرعية سلطتها عليها ، وكذلك توفير الخدمات وغيرها من المهام الملحة واللازمة لانعقاد مؤتمر الحوار الوطني واستكمال مهام المرحلة الانتقالية والتي تشمل إغاثة النازحين وإعمار المناطق المتضررة من الحرب على الارهاب ، وليس من المنطقي الآن أن يتباطأ رعاة المبادرة والدول المانحة في هذا الجانب المهم من الحرب ضد الارهاب ، ويقصروا دورهم على الجانب الخاص بالتعاون الأمني والطائرات من دون طيار التي تمثل انتهاكاً للسيادة اليمنية وقتلاً متعمداً خارج نطاق القضاء يؤجج الارهاب ولا يحاربه. كانت كلمة رئيس الحكومة محمد سالم باسندوة في مؤتمر الدول المانحة الذي انعقد في الرياض أمس الأول تعبيراً صادقاً عن حقيقة الموقف في اليمن وعن الخطوات البطيئة حتى الآن لرعاة المبادرة والدول المانحة ، ذلك أن استمرار الأسلوب الذي كان سائداً قبل الثورة لا مبرر له الآن ، فقد كان قابلاً للفهم في مواجهة رئيس مستبد مطلق السلطات والصلاحيات وفاقد للشرعية الشعبية داخلياً والمصداقية خارجياً ، انعدام المصداقية وغياب الثقة كسمتين ميزتا حكمه وحكوماته المتعاقبة. وكان باسندوة محقاً وهو يلكز ذوي الأعصاب الباردة في مؤتمر المانحين ، محذراً إياهم من تعميم الصوملة في اليمن ، وهذا التحذير يصدر الآن من رئيس حكومة نزيه وفي ظل إنجاز حكومته لمهام كبيرة في زمن قياسي ، أهمها هزيمة القاعدة في أبينوشبوة وإعادة المحافظتين إلى إطار سلطة الدولة. مؤتمر المانحين في الرياض كان اختباراً لرعاة المبادرة والدول المانحة ومسؤوليتها إزاء اليمن ،أكثر من كونه اختباراً لحكومة الوفاق كما يحاول المضللون أن يفعلوا عاكسين الخط دوماً كعادتهم وسيكون الوفاء السريع بالتعهدات التي أسفر عنها مؤتمر الرياض مقياساً لمصداقية رعاة المبادرة أولاً ومدى حرصهم على نجاح التسوية التي أشرفوا عليها في اليمن . في اليمن الآن أكثر من طرف يسابق الزمن لإرباك البلد ونشر السلاح والفوضى والصراعات من كل نوع وصولاً إلى هدفهم ، صراع الجميع ضد الجميع ، ووحدها قوى الثورة لا زال خيارها حتى الآن البناء ولملمة اليمن وأمنه واستقراره ووحدته ، وفي حال استمرار الفوضى والعبث في الداخل والمراوغة والمماطلة من قبل الخارج ، فلن يكون بمقدور أحد منع البلد من الانزلاق إلى الحرب الشاملة ،حرب الجميع ضد الجميع التي يسعى إليها صالح وبقاياه متحالفين مع التيار الامامي وإيران ، وانسجام تام مع الخارج الذي يتفرج على استنزاف اليمن بأعصاب باردة !