لماذا يرفض الحوثي تأسيس حزب سياسي حتى هذه اللحظة ؟ آخر ماقاله في تصريحات متواترة صادرة عن قيادات في تياره أحدهم يقدم نفسه بصفة " عضو المكتب السياسي للحوثي " قولهم أن الظروف لم تتهيأ بعد لتأسيس حزب سياسي ! ومع أن الثورة فتحت آفاق التغيير وأعادت للنشاط السياسي حيويته ، فأن قيام الاحزاب إذا كان لها تيار حقيقي في المجتمع لا يرتبط بتهيأة الظروف وإنما بإرادة المنتمين للفكرة والمشروع وشمولية الحضور في المستوى الأفقي للمجتمع بكافة مناطقه ومذاهبه وفئاته. فقد تأسست الأحزاب في ظروف العمل السري ، وعقدت مؤتمراتها في ظل حظر النشاط الحزبي وتجريم المنتمين للأحزاب وملاحقتهم والتنكيل بهم .. الحوثي موجود وله تياره وأصبح حاكماً بقوة السلاح في صعده ، وكل من يتحدث عن حل قضية صعده ومعالجة آثار حروبها الست سيضع بند تأسيس حزب سياسي لهذا التيار ليعبر عنه ويؤطر نشاطه العام كأحد مفاتيح الحل. إذن لماذا كل هذه الممانعة من قبل الحوثي ورفض الاعلان عن حزب سياسي يوضح برنامجه السياسي وأهدافه ورؤيته الوطنيه ونظامه الداخلي ؟؟ وبأي وجه تذهب وفوده وأنصاره الى حجةوعمران وتعز وعدن ، ماذا يقولون للناس طالما لا توجد أي وثائق مكتوبة توضح برنامجهم ورؤيتهم ، والوثيقة الوحيدة التي أعلنوا عنها مع علماء الزيدية لا تقدمهم كحزب سياسي وطني وانما تعيدنا الى الزوايا المظلمة بتحركها ضمن أرضية المذهب ومعتنقيه وإعلان " كرادلته " رؤيتهم للسلطة السياسية وفق التابوت القديم الذي يحصرها بالسلالة والإصطفاء الالهي . واذا أضفنا الى هذه ما يتواتر من أنباء وحروب للحوثيين في الجوف وحجه وعمران والتي توضح أن الحوثي وتياره يستخدمون السلاح والقوة لفرض توسعهم وانتشارهم تكون الصورة قاتمة عن "السيد" وحركته المذهبية. قبل أشهر ومع بداية تركيز الحوثية على المحافظات المجاورة لصعدة زار وفد حوثي إحدى مديريات عمران والتقى بشخصية اجتماعية مرموقة ، وقد روى لي الرجل أن الوفد قدم له عرضاً موجزاً : " نسيطر على المنطقة ، ولدينا القدرة على انجاز ذلك في 11 ساعه ، ومن ثم نحكمها عسكرياً وتتولى أنت ادارتها المحلية ، ما رأيك ؟ " وكان رد الرجل مقتضباً وحاسماً : " من أنتم أولاً ، هل أنتم حزب ولديكم برنامج سياسي لنقرأه ونعرف رؤيتكم واهدافكم ، والاهم من ذلك أنه ينبغي عليكم بعدها أن تدخلوا المناطق والقرى والمدن من باب العمل السياسي السلمي وليس القوة والعنف". ممانعة الحركة الحوثية في تحديد موقفها من العمل السياسي السلمي، مضافاً لذلك الوثيقة السلالية الموقعة مؤخراً ، مؤشرات تفتح باب الظنون وتعيد تشكيل ملامح الصورة القديمة للائمة ونهجهم ، وهي الظنون التي بالإمكان تبديدها وتجاهلها إذا حسم هذا التيار خياره في النشاط السياسي السلمي ، وعمل على تغيير الصورة السائدة عنه كتيار محصور في مذهب ومحافظة وان توسع وخرج منها يبقى محصوراً في أوهام استعادة السيطرة على قبائل الهضبة العليا. الاحجام عن اعلان حزب سياسي يكشف لنا أن الحوثي لا يرى مشروعيته في العمل السياسي السلمي على قدم المساواة مع بقية الاحزاب والتيارات في ظل الدستور والقوانين التي تحكم الجميع ، وانما يستمد مشروعيته من السماء والاصطفاء الالهي الذي يكرسون القول أنه حدد العرق والسلالة الحاكمة في بطنين قدر للمنتسبين لذريتها الامامة والحكم دون غيرهم من اليمنيين. لقد فرضت حالة الاستقطاب السائدة على أساس مذهبي وسلالي من قبل الحوثي حالة من التشظي والانقسام ، ولعل أكثر إفرازاتها ضرراً تقع على الهاشميين كفئة اجتماعية من فئات المجتمع ومكون من مكوناته. فقد وجد هؤلاء بثورة 26 سبتمبر مخرجاً لهم من تبعات النظام الطائفي المذهبي الذي حملهم بأوزاره وعزلهم عن المجتمع بفعل الحواجز التي أقامها ، حملهم تبعاتها لأنه بقي يتوكأ عليهم ويبرر نظامه واستئثاره بمشروعية السلالة في الحكم. وبعد ثورة سبتمبر إنعتقت الفئة كغيرها من اليمنيين ووجدوا الفرصة للبحث عن ذواتهم ومستقبلهم خارج اطار الاحتكار الطائفي السلالي . ونتج عن ذلك وجدنا هؤلاء دكاترة في الجامعات ورجال دولة وجزء من الحركة الوطنية والتنظيمات الحزبية التي لم ينتموا اليها فقط بل ساهموا في تأسيسها الى جانب اخوانهم من كل فئات المجتمع ومناطقه ومذاهبه ، وبإمكان الباحث أن يقرأ أسماء القيادات المؤسسة والمتعاقبة على الحزب الاشتراكي ، الاخوان المسلمين ولاحقاً حزب الاصلاح ، التنظيمات الناصرية ، المؤتمر الشعبي العام ، وليس فقط الاحزاب ذات الطابع الانعزالي كحزب الحق. وبعد كل هذا الحراك الاجتماعي والوطني في العقود الماضية ، وفي ظل الثورة السلمية التي رفعت سقف اليمنيين الى السماء بتعبير الدكتور ياسين سعيد نعمان ، يصدمنا البعض بجهده الدؤوب للعودة الى أدغال التاريخ الغابر وحروبه المذهبية التي ابتدأوها في الجوفوحجة. الخلاصة أن الحركة الحوثية تقف أمام خيارين : القبول بالعمل السياسي السلمي أو البندقية ....والقبول بالشعب كمرجعية للسلطة والحكم أو البقاء في تابوت الإمامة الغابر.