كنتُ مترددة في سؤاله عن إعاقته، لا أريد إيقاظ الألم في نفسه، فهو يعيش استحقاقات المراهقة بكل أعبائها مع قدمٍ بترتها الألغام. من أين نبدأ قصة (حميد) ، فقد مرت سنتان على خسارته ساقه، أجابني: "كنت بقريتي بنهم عندما دخلها الحوثيون وطردونا منها بعد ان قتلوا العديد من الناس، كان يوم لا ينسى"، ويواصل حديثه ممزوجا بألم وحسرة بالغتين: "افترشنا العراء في وطن النزوح وعندما حنيت الى منزلنا بعد اخراج الحوثيين منها دخلت الى القرية انا واصدقائي فانفجر اللغم بنا فقتل صديقي، وقطع رجلي وأصيب زميلي الآخر إصابات بالغة".. تروي والدته القصة ل (الصحوة نت): "كان (حميد)واصدقاءه يحنون الى الديار ، الى ارض طفولتهم، وعندما عرفوا ان مليشيا الحوثي خرجوا منها تسابقوا الى هناك، ولكن مليشيا الحوثي زرعت الموت في كل مكان حتى في بيوتنا، فقد ابني رجله، وأصيب زميله وقتل اخر ، وكانت الفاجعة التي فقد فيها ابني مستقبله وساقه". أضافت الأمّ: "ذهب والده للعمل في مأرب بسبب، ظروف الحرب ونزوحنا من بيوتنا وظروفنا الصعبة، حتى جاءنا خبر مقتله، في قصف للحوثيين"، وبعد فقدان المعيل؛ اضطرت عائلة (حميد) للبحث عن عمل وعمره 16 عاما، وإعالة اسرته، فكان يسافر لأيام للبحث عن عمل في مأرب ويرجع، حتى حصل الحادث. لم تقتصر معاناة أم حميد على ذلك، فثلاثة من بناتها أعمارهن (18-15-11) يعانين من بعض الامراض النفسية بسبب الحرب، وهو حمل صعب وقاسٍ في ظل ظروف النزوح والفقر الشديد، لذا اضطر (حميد) إلى العمل -على الرغم من إعاقته- في بيع المناديل وقوارير الماء، مقابل أجر ليساعد في إعالة أسرته. انقطع (حميد) عن الدراسة، بسبب الحرب والنزوح المتكرر كغيره من آلاف الأطفال اليمنيين، لكن حميد فضل التضحية بالتعليم مقابل حماية اسرته من التسول والعوز. قال (حميد): "إنه لان يترك اسرته تعاني الفقر، ولن يدع امه تبكي مرة أخرى، فهو يتألم عندما يرى دموعها تنهمر ليلا، ووعد بأنه سيعمل ليلا ونهارا حتى يعيد السعادة التي سرقها الحوثي من حياتهم. وعن الآثار النفسية التي سببتها إصابة (حميد)، قالت والدته: "إنه كان يعاني من خجل من إعاقته، ولا يريد أن يعلم بقصة ساقه أحد، حتى لايري شفقة في اعين الاخرين، وكي يستمر بالعمل لأجلنا، لكنه الحمدلله تجاوز ذلك". تخلّف الحرب آثارًا عميقة في نفوس الكثير من الأطفال من اضطرابات نفسية، وتكون هذه الآثار ظاهرة بشكل أوضح، لدى الذين يعانون من بترٍ في الأطراف، ويؤكد الأطباء أن "بتر الأطراف لدى الأطفال ينطوي على تبعات أكثر خطورة من تلك التي يعاني منها الأشخاص البالغون؛ ذلك أن الطفل في نمو مستمر". قصة (حميد) وأسرته هي واحدة من مئات القصص التي تلقي الضوء على واقع معوقي الحرب، وتعد معاناة المعاقين مضاعفة، في ظل غياب الدعم المادي والنفسي وبرامج التأهيل، واستمرار الحرب باليمن.