قال كونفوشيوس «إذا تهذبت حياة الإنسان الشخصية استقامت حياة الأسرة، وإذا استقامت حياة الأسرة اتسقت حياة الأمة، وإذا اتسقت حياة الأمة ساد السلام في العالم». تقودنا هذه المقولة القديمة الرائعة إلى قضية عصرية حضارية مهمة للغاية، فحواها أن الفن والجمال يعملان على إقامة التوازن والسلام والوحدة في حياة الشعوب، وبين أبناء الوطن الواحد ومن ثم البشرية بأسرها، إذ يمكن أن يتحقق التوافق والانسجام فيما بين سكان العالم، كما يكون بين أفراد الأسرة المنسجمة، وهو شعور قائم على إدراك جمالي صرف بعيداً عن المنفعة، ومن هنا تصبح الحياة الإنسانية- لدى الإنسان المتحضر- غارقة في بحر من الإيقاع. الحياة عدد ونغم ولأن الكون من حولنا تدور ظواهره أيضا في إيقاع منتظم فقد قال الفلاسفة الفيثاغورثيون: «إن الكون قائم على النظام والتوازن، فالحياة إيقاع وهي عبارة عن عدد ونغم. والجمال يقوم على النظام والانسجام والتناغم بين الأجزاء؛ لذلك فإن فكرة التناغم والسلام الاجتماعي تتحقق من خلال الارتقاء بالذوق الجمالي، والتربية الجمالية هي وسيلة تحقيق ذلك الهدف . فهي تهذب الذوق وتصقله، وتقرب بين انفعالات الناس وأذواقهم ووجدانياتهم، وهنا يتحقق التوازن والسلم في المجتمع . وذلك لأن الذوق الجمالي مرتبط «بالهارمونية» أو الانسجام وهو انسجام مع النفس، ثم مع المجتمع والعالم- فالفنون الجميلة - بما تزخر به من قيم جمالية- ترقق مشاعر الذائقة من الجمهور، فيكون السلام الاجتماعي في أجمل معانيه وتسمو القيم الجمالية بالفرد ليتجاوز ذاته إلى الآخرين، فلا صراع ولا أنانية ولا عدوانية. ومن هنا تكون العلاقات الإنسانية ضرباً من الفنون السلوكية الراقية، فيشيع الجمال في كل شئون الحياة ويصبح التعامل المبني على إدراك الجمال في السلوك تعاملاً أخلاقيا حضاريا مدنيا راقياً، يجعل من بنية المجتمع شيئاً إنسانياً أرقى، ومن تنبذ التصرفات والسلوكيات العدوانية والعصبوية والانتهازية باعتبارها قبحاً ونشازاً، ذلك أنها بنيت على الاصطدام والإرهاب والتخريب والفساد والإفساد. التربية الجمالية تحقق الأمن والسلام إن المجتمع الذي يُعنى بالفن والجمال، هو مجتمعٌ يستطيع أن يحافظ على توازنه وترابطه، ويسمو بأفراده إلى مراتب تساعدهم على الوئام مع محيطهم، والحرص على تحسين واقعهم ..مجتمع يرتفع بأفراده فوق مستوى الحياة العادية، ويمنحهم قيما وخبْرات إيجابية، ويشحنهم بطاقات روحية يسْمون بها فوق الروتين اليومي، فيحقّقون ذواتهم أفرادا ومجتمعات. وفي المجتمع اليمني المعاصر الذي تشيع فيه كثير من مظاهر القبح والفوضى التي أحوجتنا إلى التساؤل عن دور ومكانة الفن والجمال في حياة المجتمع، فالتربية الجمالية والفنية صارت غائبة ومحرمة في مناهجنا التعليمية، وبعد أن صار الجمال – كبعد تربوي له أهميته التربوية القصوى- غائبا ومفقودا من تربية الإنسان اليمني، وبالعودة إلى قيمنا وتراثنا الجمالي نجد أن لدينا تراثا جماليا وحضاريا ملموسا، فالإنسان اليمني قد ترك شواهد فنية ومعمارية رائعة، إلا أن القائمين على التعليم (نسوا أو تناسوا أو جهلوا ) أهمية البعد الجمالي في تربية الإنسان اليمني المعاصر، هذا البعد تتسم به المجتمعات المدنية والحضارية، ومن اجل هذه النظرة القاصرة كانت النتيجة وخيمة على مخرجات التعليم من أجيالنا، وكيف لنظام تعليمي يكرس المناهج النظرية التي تخلو من البعد الجمالي ان يربي النفوس على الحب والتسامح والتوافق والانسجام، فوظيفة التعليم تربية الحواس والذوق الجمالي ليرتقي بأذواق الطلاب نحو الجمال والسمو والرفعة . منذ القدم تلازمت القيم المطلقة فلسفيا ومنطقيا ( الحق والخير والجمال)، ولم تفترق تربويا وفكريا وحضاريا ،فالجمال يهذب النفوس ويؤدي إلى الخير والفضيلة، لذلك سادت في المجتمع سلوكيات التخلف والبداوة في وطن عرفت عنه الحضارة والجمال، وكم أفقدتنا الأمن والسلام والانسجام والتصالح مع النفس ومع الآخر، كان سببها الأساسي ومظهرها البارز هبوط مستوى الذوق الجمالي العام، فالجمال هو الخير وهو النظام والانسجام، والقبح يعني الشر ويعني التخلف والفوضى.. ، وما أحوجنا اليوم في هذا الوطن للعودة إلى نكهة الجمال العتيق الذي كان في الماضي من معالم حضارة اليمن الفريدة، ومن عوامل استقرار البلد وتحضره . الربيع اليمني والتغيير الجمالي ولذلك نعود إلى القول - وبعد نجاح ثورة الربيع اليمني الشبابية – انه قد آن الأوان لعودة الفن والجمال بأصالته ومتعته، بألوانه وبهجته، بنكهته ومرحه وأنغامه لأطفالنا ومجتمعنا الأصيل الذي عرف عشق الفنون وإبداعها، وعلى القائمين على النظام التعليمي والمناهج إعادة النظر جديا في دور الفن والجمال في التعليم، وإعادة الفنون الجميلة ( الرسم والتصوير والمسرح والموسيقى ...) إلى المدرسة، وباعتبار التربية الجمالية هي وسيلة مهمة للتغيير، من خلال وظيفتها الغائية المتمثلة في بناء الإنسان وإعادة تحقيق الوحدة والانتماء الوطني والسلام النفسي والاجتماعي الوطني ومن ثم العالمي – ذلك السلام أو الانسجام الذي نادى به كونفوشيوس بقوله “إذا اتسقت حياة الأمة ساد السلام في العالم”، فلربما يعود الوطن جميلا وتعود لنا وحدتنا وإنسانيتنا ومدنيتنا المفقودة ، ومن أجل “اليمن السعيد” يغدو سعيدا وجميلا، وبالتالي يتحقق الأمن والسلام، ونغدو ضمن شعوب العالم المسالمة والمتمدنة . رابط المقال على الفيس بوك