متابعات .. أطلق عدد من كبار الصحفيين والنقابيين المصريين صيحة فزع للتنبيه إلى المخاطر المحدقة بالحريات الصحفية بشكل خاص والحريات العامة في الدستور المصري الجديد الذي هو قيد الإعداد. وشن المهتمون بقطاع الصحافة المصرية هجوما لاذعا على جماعة الإخوان المسلمين متهمين إياها بأنها تسير على نفس خطى ومنهج الحزب الوطني المنحل في مصادرة الحريات، لكن بصورة ابشع. وقال هؤلاء الصحفيون في تصريحات نققلتها صحيفة "المصري اليوم" إن ما حصلت عليه الجماعة الصحفية وانتزعته بالقوة خلال عهد نظام مبارك يبدد حاليا، الأمر الذي يعرض الحريات الصحفية إلى انتكاسة قوية لم يكن متوقعا حدوثها عقب ثورة سقط فيها شهداء، وكان أول مطالبها الحرية. وأكدوا أن الإخوان الذين يهيمنون حاليا على مقاليد السلطة في مصر، عبر ذراعهم السياسي حزب الحرية والعدالة، يظهرون عداء واضحا وصريحا للحريات بشكل عام، ولحرية الصحافة بشكل خاص. وتأتي هذه المخاوف بناء على المواد المتعلقة بحرية الصحافة والإعلام والتي يتم الإعلان عن مسودات لها في الدستور الجديد. واضافوا أن التسريبات بهذا الخصوص غير مطمئنة بالمرة، خاصة في ظل وجود اتجاه لدى الجمعية التأسيسية إلى إعادة المواد المتعلقة بمصادرة الصحف والحبس في قضايا "السب والقذف"، وهي مواد كانت قد ألغيت تماما عام 2006. وأشار الكاتب الصحفي صلاح عيسى إلى أن المواد التي تم الإعلان عن مسودات لها أو تم تسريبها فيما يتعلق بالحريات الصحفية، لا تبشر بخير مطلقا، لافتا النظر إلى أن الوضع في ظل هذه المواد الدستورية سيكون أسوأ مما كان عليه قبل الثورة. وأشار عيسى إلى أن جماعة الإخوان المسلمين التي تهيمن على الجمعية التأسيسية ظهر عداؤها الواضح للحريات، وظهر فكرها القمعي الاستبدادي، وسعيها إلى استخدام الصحافة كوسيلة لتحقيق مكاسب سياسية بنفس أسلوب الحزب الوطني المنحل. وفيما يتعلق بالمواد الخاصة باستقلال الصحف القومية عن أجهزة الدولة، أكد عيسى أن هناك رفضا قويا داخل الجمعية التأسيسة لهذه المواد، التي تكشف رغبة حزب الحرية والعدالة في السيطرة على الإعلام ومصادرة الحريات، واستخدام الصحافة بشكل فج في تحقيق مكاسب سياسية وتوجيه الرأي العام مثلما كان يفعل الحزب الوطني. وأكد الكاتب الصفحى سعد هجرس أنه لا يوجد شك في أن ما يحدث بداخل الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور عبث بمطالب الثورة، ومطالب المجموعة الصحفية، لافتا إلى أن الصحفيين لن يحصلوا في ظل حكم الإخوان على "مليم" حرية، مشددا على أن تصرفات الجماعة ومواقف ممثليها في الجمعية التأسيسية هي التي تشي بما يقوله. وأشار هجرس إلى أن واضعي الدستور الجديد يتعمدون تجاهل العديد من النقاط المهمة، وفي مقدمتها حق الحصول على المعلومات، وحق الانتقاد، وإلغاء مصادرة وتعطيل الصحف، مشددا على أن الدستور لو خرج بهذه الصورة سيكون الوضع أسوأ مما كان عليه قبل الثورة. وقال مكرم محمد أحمد، نقيب الصحفيين السابق، إن المواد المتعلقة بالحريات الصحفية في الدستور الجديد أسوأ من المواد التي كانت توجد بدستور 1971، مشيرا إلى أن الإخوان المسلمين يسيرون على نفس خطى الحزب الوطني في مصادرة الحريات الصحفية وبصورة أسوأ، حيث يتم حاليا الانقضاض على كل مكاسب الحريات التي حصلت عليها الجماعة الصحفية عبر تاريخها. وأضاف أن المواد الدستورية المقترحة لا علاقة لها بكلمة الحرية. وأكدت الكاتبة الصحفية نجلاء محفوظ عضو المجلس الأعلى للصحافة، من جانبها، أن هناك عددا من النقاط المهمة التي لا يجب التنازل عنها في الدستور الجديد، وهي حرية تداول المعلومات وحق الصحفي في الحصول على أي معلومة، وإلغاء الحبس والسجن في كل قضايا النشر، وإلغاء عقوبات تعطيل أو إيقاف الصحف بصورة إدارية أو قضائية. ولفتت محفوظ إلى أنه في حالة أن يكفل الدستور الجديد هذه النقاط سيكون الأمر جيدا، أما في حالة الانقضاض عليها أو التحايل عليها فسيكون الوضع سيئا للغاية، مشددة على أن الصحفيين لن يقبلوا حتى بأن تكون الأوضاع على ما كنت عليه في عهد النظام السابق، ولن يقبلوا بأي بديل عن الحرية الكاملة للصحافة. وقال جمال فهمي، وكيل أول نقابة الصحفيين، كل ما هو مطروح الآن ويتم تسريبه أو الإعلان عنه من مواد متعلقة بالصحافة والحريات، يؤكد وجود كارثة حقيقية، لافتا إلى أن معاداة الإخوان المسلمين وحزبي الحرية والعدالة والنور للحريات بات أمرا واضحا ولا يقبل الجدل. وأضاف فهمي "نخشى أن نترحم على الحريات التي كانت متاحة في عهد الرئيس المخلوع مبارك"، مشددا على أن ما يحدث الآن أمر لا يمكن السكوت عليه، خاصة في ظل رغبة أعضاء الجمعية التأسيسية المنتمين إلى التيارات الإسلامية في إعادة مواد تتيح حبس الصحفيين ومصادرة الصحف، بعد أن كان هذا الباب قد أغلق تماما في عام 2006. وأوضح أن الوضع لو سار في هذا الطريق، ستعود حرية الصحافة إلى نقطة الصفر، وستبدأ المجموعة الصحفية في النضال من جديد، مشددا على أن الإخوان لا يريدون أي حرية، ولا يحبون النقد ولا يتقبلونه. وقال فهمي "هناك عملية توريث حدثت، حيث انتقلت السلطة في مصر من نظام استبدادي إلى نظام فاشي، يسعى كلاهما إلى قمع الحريات والتضييق على الصحافة والإعلام. وفي السياق ذاته أكد الكاتب الصحفي والنقابي يحيى قلاش أن كل ما حدث خلال الفترة الماضية بداية من اختيار رؤساء تحرير ومجالس إدارات الصحف والمؤسسات القومية، مرورا بتشكيل المجلس الأعلى للصحافة وتعيين وزير للإعلام إخواني، وانتهاء بالمواد المتعلقة بالصحافة والحريات في الدستور الجديد، يؤكد أن الوضع سيكون أسوأ مما كان عليه في عهد نظام مبارك. وأوضح أن الإخوان يسعون بكل الطرق إلى قمع الصحافة والسيطرة عليها من أجل استخدامها في توجيه الرأي العام وتحقيق مكاسب سياسية، تماما كما كان يحدث في عهد نظام مبارك. وقال "في عهد مبارك كان يوجد ما يسمى بهامش الحريات، وهو الأمر الذي كان يكفل للصحافة نوعا من الحرية الظاهرية، لكن حتى هذا الهامش يبدو وأنه سيختفي". وأضاف قلاش "من المؤسف أن يكون هذا هو وضع الصحافة والإعلام عقب الثورة التي نادت بالحرية والديمقراطية والعدالة"، لافتا إلى أن جماعة الإخوان المسلمين ليست جماعة ثورية، لكنها جماعة سلطوية تتعامل مع كل شيء في الدولة بمنطق السلطة الحاكمة وليس منطق الثورة والحرية. ميدل ايست اون لاين