في الآونة الأخيرة شهدت بعض المحافظات الجنوبية عدداً من الجرائم التي كان ضحيتها أبناء المناطق الشمالية. وفي خطابه الأخير قال الرئيس صالح: "إن تلك التصرفات التي أدت إلى تعرض العديد من المواطنين سواء العاملين أو السائحين وغيرهم، ممن قطعت أذنه أو عضوه التناسلي، ذكرته بحالة الخوف والهلع التي كانت تعتري الجنوبيين القادمين إلى صنعاء في العام 1993". حديث الرئيس ينبئ عن افتراضية ينتج عنها حرب أهلية، فما وصفه الرئيس بالأحداث التي وقعت في العام 1993 والتي تلتها حرب صيف 94 (حسب قوله) تكاد تشبه ما يمر به الوطن اليوم. ومع تزايد المخاوف من وصول اليمن إلى مثل هذه المرحلة، إلا أن ثمة اختلاف في الرؤئ حول الأسباب الكامنة وراء تفاقم الأوضاع في الجنوب. المحلل السياسي ورئيس تحرير صحيفة الأهالي المستقلة علي الجرادي قال ل"المصدر أونلاين" أنه وعندما تختفي معالم الدولة الوطنية تظهر النزاعات العرقية والمناطقية والسلالية. ويبدي الجرادي خشيته مما وصفه ب"تدخل الأيادي العابثة في الوطن سواءً كانت موالية للسلطة أو من قوى العنف الممولة من منظمات وخزائن داخلية وخارجية هدفها القيام بأعمال تخريبية والتهيئة لاحتراق داخلي".
وكان طاهر طماح قائد ما تعرف ب"كتائب سرو حمير" قد اختطف جنديين من أبناء مدينة تعز، وهدد في وقت سابق بقتلهما، قبل أن يتراجع اليوم عن ذلك ويطلق سراحهما. وسبق هذا عدد من الاعتداءات التي طالت مواطنين كل ذنبهم أنهم شماليون، وعلاوة على حادثة ما تعرض له بائعي الحلوى من أبناء القبيطة، والتي أثارت ردود أفعال غاضبة، وما تلتها من وقائع مشابهة طيلة العام الفائت، فقد كانت أخر حادثة من هذا القبيل أكثر إجراماً حيث قام مسلحون مجهولون منتصف إبريل الفائت بالاعتداء على رجل مختل عليقاً وضربه ضرباً مبرحاً، قبل يقطعوا أذنيه وعضوه الذكري في مدينة الحبيلين بمحافظة لحج (جنوب اليمن). وعلى خطورة ما تحمله هذه الجريمة من أبعاد تهدد السلم الاجتماعي، فقد اكتفت السلطة والحراك بإدانة الجريمة، وراح كل منهما يلقي الاتهامات على الآخر، وهنا ضاعت الحقيقة، وصار ذلك الرجل ضحية المجهول!. والأسبوع الفائت، راحت السلطة بعيداً، وطلبت الحكومة من اللقاء المشترك تسيلم 50 مطلوباً على ذمة جرائم جنائية، وقالت إنهم تسببوا في قتل وجرح العديد من الأبرياء، ونهب وتخريب البنية التحتية لمؤسسات الدولة. سألت رئيس تحرير "الأهالي" عن ذلك فأجاب ساخراً "لقد ردت السلطة على كل أعمال العنف التي قام بها طماح وطلبت من المشترك تسليمها 50 قاطع طريق"، متهماً السلطة بتحويل الاستقرار الداخلي ودماء الناس وأموالهم والوحدة الوطنية إلى تصريح سخيف وساذج. حد قوله. وأضاف قائلاً: أنا شعرت بالخجل عندما قرأت هذا التصريح في المواقع الرسمية، وازداد حرجي من الموقف الذي سينتاب أولئك القراء من خارج اليمن. أما أيمن ناصر رئيس تحرير صحيفة الطريق الصادرة في عدن، فقد بدا مطمئناً أكثر الجرادي، واستبعد انحدار اليمن نحو حرب أهلية، قائلاً "الدنيا سلامات، لم تصل إلى هذا الحد". لكنه دعا في الوقت ذاته الفصائل السياسية في البلاد قائلاً "يجب على الجميع تحكيم صوت العقل وبالذات القيادات السياسية والتي ينبغي عليها تقديم التنازلات من أجل الوطن، فمحصلة الوطن يجب أن تعلو على كل المصالح الحزبية والشخصية". وقال رئيس تحرير صحيفة الطريق بأن على الحزب الحاكم الابتعاد عن إقصاء وكسر وتهميش المعارضة خصوصاً في مثل هذا الوقت الصعب. كما طالب المعارضة بعدم استغلال هذه الأوضاع التي تمر بها البلاد لأن ما يحدث يتضرر منه اليمنيون جميعاً. وعلى ما يبدو من تجاهل شبه متعمد في ملاحقة الجناة الضالعين في جرائم التصفية بالهوية التي تتفاقم في الجنوب وسط صمت رسمي وحزبي على حد سواء وعدم تقديمهم للعدالة. فإن مثل هذه الجرائم لابد وأنها ستخلف جروح، لن تندمل بسهولة، وقد تتسع أكثر وأكثر!