من البديهي أن تطوير وترسيخ الممارسة الديمقراطية مرتبط بدرجة أساسية بإيمان أطراف المنظومة السياسية والحزبية بقيم الحوار وبما تتسلح به من نوايا حسنة وصادقة تجاه ما يتصل بالقواعد الناظمة للحوار وأخلاقياته والمقاصد النبيلة لمقتضياته. ولذا يُقال دائماً أن التطور الديمقراطي لا يمكن أن يتحقق بصورته الشاملة والمتكاملة دون أن تصبح ثقافة الحوار هي الحاكمة لعلاقات المنظومة الحزبية في السلطة والمعارضة، والأغلبية والأقلية، وإيمان هذه المصفوفة بحقيقة أن من يحكم أو يعارض كلاهما في النهاية وجهان لعملة واحدة، يفترض أن يستوعب كل منهما دوره ومسؤولياته تجاه وطنه وشعبه والنهج الديمقراطي الذي هيأ لكل منهما فرصة العمل السياسي والحزبي والتنافس على كسب ثقة المواطنين في صناديق الاقتراع في إطار التداول السلمي للسلطة وتمثيل الشعب في مؤسسات إدارة شؤون الدولة والمشاركة في صياغة القرار السياسي والإداري والتنموي. وفي ضوء كل ذلك يأتي قرار أحزاب "اللقاء المشترك" بقبول ما ورد في المبادرة الوطنية الشجاعة لفخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية، مجسداً لحقيقة أن الحوار سيظل هو السبيل الأمثل لتحقيق الاستقرار السياسي والنهوض الاقتصادي والاجتماعي بل والضمان الأكيد للحفاظ على ديمومة الحياة الديمقراطية وصيانة الحريات والمكتسبات الوطنية والمنجزات التاريخية التي أنجزها شعبنا في ظل ثورته (26سبتمبر و14 اكتوبر) ووحدته المباركة وكذا صون أمن واستقرار وسلامة المجتمع من كل الاستهدافات والفتن والأزمات وعواصف "الفوضى اللاخلاقة" التي إذا ما تطاير شررها فإنه سيصعب اخماد نيرانها التي سيكتوي بها الجميع ومن دون استثناء لأحد. وطالما أن الجميع شركاء في ما سيفضي إليه التقارب من ثمار إيجابية وخير للوطن والشعب والعكس صحيح، فإن من الواقعية والمصلحة أن يعمل الكل ويسعى إلى مثل هذا التقارب وإزالة أية جفوة عن طريق الحوار الجاد والبناء وتحكيم العقل وكبح الأهواء وبما يؤدي إلى إنجاح الحوار والوصول إلى توافق وطني يكرس لشراكة حقيقية في السراء والضراء تحقق المصلحة العليا للوطن والشعب وجعلها فوق كل اعتبار. وإذا ما اتفقنا على أن ما يجمعنا أكثر بكثير مما يفرقنا، فإن بلادنا تزخر بالكثير من الحكماء والعقلاء القادرين على وضع الحوار في البوصلة التي تهديه إلى المسار الصحيح وتدله على نقاط الالتقاء وتجاوز مثالب الخلافات والتباينات. ومع ذلك فإن نجاح الحوار يقتضي من الجميع الابتعاد عن المكابرة وعدم تكبيل الحوار بشروط استباقية تعجيزية وأُطروحات استفزازية تتعارض مع الأسس الدستورية والقانونية والمرجعيات الناظمة لحقوق وواجبات المواطنة. وإذا ما أردنا أن يكون الحوار بناءً وجاداً وليس "حوار الطرشان" فإن الواجب أن تكف أطراف هذا الحوار عن الاستماع للمغرضين وتجار الأزمات ومشعلي الحرائق ودعاة الفوضى الذين لا يستطيعون العيش إلا في ظل الأجواء الملبدة والمكهربة لاعتقادهم أنهم وبعيداً عن هذه الأجواء يصعب عليهم بلوغ أهدافهم ومراميهم الدنيئة والخبيثة، خاصة وأن كلاً من طرفي الحوار لا يجهل حقيقة هؤلاء الذين يتربصون بكل تقارب بين أطراف المنظومة السياسية والحزبية ولا يدخرون جهداً في التآمر على الديمقراطية والوحدة الوطنية والأمن والاستقرار والسلم الاجتماعي في هذا الوطن. وقد وجدنا هؤلاء في أكثر من منعطف يجندون أنفسهم لصناعة الخوف والرعب واشاعتهما بين صفوف المجتمع، وما زال الكثيرون منا يتذكرون كيف حاول هؤلاء منع إقامة بطولة "خليجي 20" في اليمن من خلال شن أوسع حملة ترهيب عرفتها بلادنا في تاريخها المعاصر، وكيف أنهم أشاعوا وروجوا من كل منبر صورة مشوشة ومشوهة عن اليمن حاولت إظهاره كساحة مفتوحة للإرهاب والفوضى والانفلات.. وهي الصورة التي دحضها واقع النجاح الباهر والمنقطع النظير الذي أحرزه اليمن في استضافته لهذه الفعالية الرياضية والشبابية الكبيرة. وفي كل حال، فإن اليمن سيظل أمانة في أعناق أبنائه بمختلف ألوان طيفهم السياسي والحزبي ومكوناته الاجتماعية، ومن موجبات حمل هذه الأمانة أن نحافظ على هذا الوطن ونصونه في حدقات عيوننا وذلك بالعودة إلى مربع الحكمة اليمانية الذي يستند إلى قيم الوئام والتلاحم والمحبة والتسامح ومن شذ شذ في النار.