هناك قاعدة فقهية إسلامية تذهب إلى القول: «إن درء المفاسد مقدمٌ على جلب المصالح». ولإيضاح ذلك فإن مروحة كهربائية قد تكون مناسبة في الحرّ لتلطيف الجو وجلب الهواء البارد، ولكن إذا كان هذا الهواء البارد سيضر بمجموعة من الناس؛ فإنه لابد من درء هذا الفساد أو المفسدة التي هي الهواء البارد المنعش. وإذا كان مرض الأنانية قد فشا بين الناس؛ فلابد أن نلتمس العلاج المناسب كيلا تصبح هذه الأنانية سبباً من أسباب الاضطراب الاجتماعي. إن هناك أفراداً من الناس وهم وبحمد الله قليلون أصيبوا بالطمع والإقبال الشره على الحياة، فهم قد أقبلوا على الدنيا، وطلبوها من ألوانها المشروعة وغير المشروعة، فإذا ما سدّت عليهم أبواب، فتحوا أبواباً يظنون أنفسهم أنهم ما خُلقوا إلا ليخلّدوا في هذه الحياة الفانية العجيبة. هذه النماذج الغريبة من البشر قد لا يفيد معها علاج طبيب في عيادة أو مشفى؛ وإنما حزم شرطي في قسم بوليس محترم. إن هؤلاء النماذج مثلهم كمثل هذا الأحمق الذي يتسرب بالخفاء أو الظاهر ليخرق السفينة السائرة في بحر لجّي مضطرب هادر، ومن الحمق أن نترك هذا الأحمق أو ذاك أن يغامر بمستقبل الجماعات في سبيل تحقيق رغبات فردية!!. أنا أفهم أن القضاء ضمن مؤسسات المجتمع المدني، وهو - أي القضاء - لابد أن يشكل المرجعية الأولى للناس جميعاً. وإذا كان الشموليون الحزبيون ماضين في غيّهم وضلالتهم في أنه «لا صوت يعلو فوق صوت الحزب» فإن المجتمع بأسره لابد أن يمضي في تحقيق شعار «لا صوت يعلو فوق صوت القضاء». نقول هذا كيلا يجد بعض المغرضين الأدلة والشواهد النافذة تؤكد مضي بعض الحمقى في تحقيق رغباتهم على حساب الشعب. إن «الحراك» بوضوح شديد أشبه بشعار الخوارج أيام الفتنة القديمة، وهو شعار لم يعد مقبولاً في رسائله ولا أهدافه؛ لأن هذا الشعار لم ينطلق من منطلق «يتغيّا» الإصلاح، وإقامة الحقوق، وتحقيق السلام الاجتماعي، وإنما هو موجة تحمل حقد الذين أطاح بهم جماعة انتهى عمرها الافتراضي. والحكماء كثيرون الذين يعلمون أن المعالجة بسيطة جداً، فالوسائل كثيرة وأبرزها على الإطلاق تفويت الفرصة على هؤلاء المساكين بإقامة العدل واحترام الحقوق، حينها سيصرخ الشيطان بأعلى صوته: "إني أخاف الله رب العالمين".