تكميم الافواه لا يعني اسكات الصوت .. ليس لدينا سوى حق الكلام ومن هذا الحق حرمنا    فضل:سنبدأ معسكرا داخليا لمنتخب الناشئين ونتطلع للوصول إلى نهائيات آسيا    النفط يرتفع والدولار يتراجع والذهب يستقر    شبوة ليست بخير.. قتال قبلي في ثلاث مديريات.. ومحافظها في شهر العسل    جولة مرتقبة للمبعوث الأمريكي بالتزامن مع مفاوضات مسقط    رشاد العليمي يسرق جهود الوزير الجبواني بالحصول على الطائرات الكويتية    قوات دفاع شبوة تتمكن من القاء القبض على عصابة ترويج مادة الشبو في مدينة عتق    دعم الكويت لطيران اليمنية .. تساؤلات اثارتها الأزمة الراهنة    يامال يكسر رقم بيلينجهام القياسي    طواحين هولندا تخشى مفاجآت رومانيا    قرار جديد للبنك المركزي في عدن غير قابل للتطبيق في صنعاء!!    مختص سعودي: لا كرامة في الحياة الزوجية ويجوز للزوجة ضرب الزوج (فيديو)    لماذا حذف برشلونة خبر رحيل فيليكس وكانسيلو؟    إعلان جديد للفريق الحكومي بشأن صفقة تبادل الأسرى مع مليشيا الحوثي    ابناء هذه المحافظة هم الافضل والأروع من بين كل المحافظات اليمنية    انهيار كارثي للريال اليمني في محلات الصرافة صباح اليوم    ماذا أعد الانتقالي ليوم الغد؟    "ربما الجنوب أحد قرابين التسوية"...كاتب صحفي يكشف عن عقد لقاءات في الرياض لاجتماعات بالتوازي مع مفاوضات مسقط    غش واسع ينسف امتحانات الثانوية العامة في عدن!    بلقيس فتحي تُثير الجدل مجدداً: دعم للصحراء المغربية يُغضب ناشطين يمنيين ويُعيد موجة مقاطعة سعودية    الشرعية اليمنية تُسقط مخطط الحوثيين بضربة قاضية    يغذيها الحوثي.. تصاعد الحروب القبلية في مناطق سيطرة المليشيات    صدمة لليمنيين.. اختفاء أكثر من 20 نوعا من الأسماك الشهيرة في سواحل اليمن    في اليوم 268 لحرب الإبادة على غزة.. 37877 شهيدًا و86969 جريحا وفيديو لاستخدام الاحتلال أسرى غزة كدروع بشرية    يورو 2024: الماتادور الاسباني يضرب موعدا" مع المانيا بتجاوزه جورجيا برباعية    وداعاً لكأس غرب آسيا للشباب: اليمن يخسر بطاقته بعد فوز سوريا على البحرين    عن زيارة وفد الإصلاح للصين    غرب اسيا للشباب: العراق يتخطى لبنان بثنائية    نوال جواد : مسار العملية الاختبارية بمدارس عدن في اليوم الأول كان أكثر من رائع    يورو2024 : بيلينغهام يقود إنجلترا للدور المقبل    اليمن تُسحر العالم بثقافتها وتُحرز المركز الأول في المهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون!    مدير مكتب التربية بمحافظة عدن يوجه رسالة لطلاب وطالبات شهادة الثانوية العامة    الوفد الحكومي: التقدم في مفاوضات مسقط يعتمد على الكشف عن قحطان وإطلاق سراحه    اليمنية أوقفت رحلاتها إلى صنعاء بعد حجز أول طائرة.. والعليمي أمر بمواصلة الرحلات    مطلوب من علي ناصر محمد تحديد موقع رفات الشهيد سالم ربيع علي    أسعار العملات الأجنبية اليوم الأحد وفق البنك المركزي بصنعاء    مقتل وإصابة عشرة أشخاص في حوادث متفرقة جراء الصواعق الرعدية في اليمن (تفاصيل)    وفاة ابرز مذيع يمني بعد عقود من الابداع    وبماذا تميزت ومن هو الذي أصدر قرار الرفع ؟    وجهة نظر: ماذا أكتب عن أمة متخلفة.. وشعوب تعيش في عقدة الماضي    تعزية... من حالمين إلى محافظة شبوة... صبراً ال سليمان    الحوثي يدخل نادي مصنعي الصواريخ فرط صوتية بسرعة أكثر من 6000 كلم ساعة    حملات تضامن مع الفنانة بلقيس فتحي بعد تعرضها للإساءة والعنصرية    شاهد : طبيب يكشف عن نبتة شهيرة تخفض السكر 50% خلال ساعتين    القبض على شخصين في شبوة لارتكابهما جريمة كبيرة في حق الحياة الفطرية    الفلكي الجوبي يكشف موعد أول أيام السنة الهجرية الجديدة ويفجر مفاجأة بشأن بداية شهر رمضان    264 شهيدا وجريحا إثر غارات دموية متواصلة على قطاع غزة    لودر: كارثة بيئية تلوح في الأفق مع غرق الشارع الرئيس بمياه الصرف الصحي وتهديد كارثة وبائية    اكبر كذبة في تاريخ الاسلام    الدحابشه يحقنون شعب الجنوب العربي بمواد مسرطنة    "الأنا" والوطن    كارثة تضرب محافظة جنوبي اليمن ومئات المواطنين يتوافدون للمستشفيات وإطلاق مناشدة عاجلة    الفلكي الجوبي: كويكب يقترب من الأرض.. وهذا ما سيحدث يوم غدٍ السبت    الكشف عن أول تحرك يمني سعودي بشأن الحجاج العالقين بعد اختطاف الحوثي طائرات اليمنية    اختتام دورة الأطباء المؤثرين حول أهمية اللقاحات ضد شلل الأطفال    وقفة مع كلام عبدالرب النقيب    الضالع تلحق الهزائم بالأتراك والزيود قبل 535 عام    احمد بن علوان وكرامة السلالة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حفنة دمع لتراب قبرها
نشر في يمن برس يوم 03 - 03 - 2016

لم يتماسك تراب قبرها بعد. وكذلك أنا. أمد إليه يدي المرتجفة. أُمسّده برفق، وخوف، لكأنه قشرة دم، بالكاد تخثرت لتغطي جرحاً غائراً في بعض جسدي. أُغمض عينيَّ، وأحبس أنفاسي، قبل أن أقبض حفنة منه، وأرفعها قليلاً، فأراني أتساقط مع ذرات الرمل وحبيبات الحصى من بين أصابعي، وأتوه في السؤال؛ كم غيمةً ينبغي أن تتفتت وتهوي من عليائها نحو الأرض، حتى يصير هذا الثرى طيناً، ثم كم مرة، ينبغي أن تشرق الشمس، وتتوسط كبد السماء، كي يجف طين وجهي، وأعود بشراً سوياً.
كانت ساعة موتها، وكذا أيام العزاء الثلاثة، دافئةً مشمسة، على خلاف المعتاد في مثل هذا الوقت من السنة. ومع حلول اليوم الرابع، انهمر المطر مدراراً، وعصفت الريح، فعادت إلى الذاكرة تساؤلاتها المشفقة على ذوي من يموت في الليالي العاصفة الماطرة؛ كيف يتسنى لهم دفنه، وماذا يفعلون ليمنعوا المياه من أن تغمر قاع قبره، والطين من أن تلوث بياض كفنه؟
في ليلتها الأخيرة، اضطررت إلى الدخول في سباقٍ غير عادل مع الموت نحوها. كنت فلذة منفيةً، تلهث على طريق العودة إلى موطنها الأول في الكبد الذي قال الأطباء إنه تشمّع، وكان هو قبضة جبارة تطارد روحها التي لا أحد مثلي يعرف قدرتها على المقاومة. كنت على مسافة آلاف الكيلومترات، وكان يُقعي عند حافة سريرها. كنت أجري كالمجنون في صالات المطارات، أقفز من طائرةٍ إلى طائرة، وكان يتلهى أمام عينيها المغمضتين، مستمعاً بمكر لسؤالها المتكرر عن موعد وصولي.
قلت لها، حين حدثتهاً هاتفياً آخر مرة، إني قادم بعد ساعات قليلة. كنت أحاول حثها على التمسك بالحياة، ريثما أصل، فلم تعدني بالانتظار. لعلها كانت ترى هادم اللذات ومُفرّق الجماعات، يتعجل خطفها، وتقرأ في عينيه وعيداً برفض إمهالها، فاكتفت بالقول؛ "أهلاً وسهلاً يمّة.. الله يرضى عليك يا حبيبي".
وإذ وصلت متأخراً ساعتين عن مفترق الفجيعة، وجدتها على الطاولة في غرفة الموتى شابة نائمة، فاتها أن تستيقظ، وتوقظ طفلها البكر، ليتشاركا وجبة السحور في ليلةٍ رمضانيةٍ باردة، لا امرأة سبعينية تشمع كبدها، وماتت في انتظار التئام فلذاته المشتتة على أرجاء الأرض. لا بأس، إذن، من أن أوقظها أنا هذه المرة؛ قومي يا أمي. لقد طلع النهار، ولم نتسحر. همست، عند رأسها المتلحف بكوفية فلسطينية، فلم ترد. رفعت صوتي قليلا، وقبلت يديها، فظلت صامتة. صرختُ، فما سمعتُ غير صدى بكاء الولد الذي كنته منذ نحو نصف قرن.
أما بعد دفنها. بعد أيام العزاء الثلاثة. بعد أن عصفت الريح بالقلب، بعد أن تسرّبت مياه الأمطار إلى قاع الدماغ، بعد أن اتشح البيت والحارة كلها بالسواد، فسأرى رفيق عمرها الشاب الثمانيني، وقد صار شاعراً عجوزاً بكّاءً، ينسى مناكفاتهما المتكرّرة، ويرثيها بأبيات من حداء موجع، ومبلل بالدموع، وتختلط فيه ذكرياته عن ابنة عمه التي كانت طفلةً في الرابعة لدى تهجيرهما من فلسطين عام 1948 بمخاوفه، في شيخوختهما، من أن تموت قبله، وتتركه للوحدة التي بات فيها.
اكتب عن أمك. قال لي، وقد مر شهر عجزت فيه الكتابة، بعد رحيلها. وعدته أن أفعل، وتحاشيت البوح له بدوافع العجز الذي أصابني؛ كيف سيطاوعني قلمي على أن أكتب ما لن تُتاح لها قراءته. غير أنه استدرك، كمن يسمع دبيب هواجسي؛ اكتب أنها اختارت العيش معي في بيتٍ بنيناه معاً فوق سفحٍ يطلّ على فلسطين، وقل إنها مدفونة في مثواها الأخير إلى جوار الصحابي معاذ بن جبل، وجهها إلى القبلة، ورأسها، بل جسدها كله، يتعامد مع حدود فلسطين.
كتبت. ولكن ما الفائدة، طالما أن أحداً لن يقول لأختي؛ اطبعي لي مقال ماجد، ولا تنسي أن تطبعي معه تعليقات القراء؟
"العربي الجديد"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.