إلى أين وصلت قضية مجزرة جمعة الكرامة في أروقة القضاء؟ ولماذا تم إحالتها إلى الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا؟ وهل سيمثل قانون الحصانة جدار صد لها؟ ولماذا لم يتم إقرار قانون العدالة الانتقالية كمقابل لقانون الحصانة بحسب ما نصت عليه المبادرة الخليجية؟ كل تلك الأسئلة وغيرها طرحناها على أحد أهم محامي الدفاع عن ضحايا شهداء مجزرة الكرامة المحامي فيصل المجيدي، أجاب عليها في الحوار التالي:
- بداية وبصفتك من أبرز المحامين في قضية جمعة الكرامة.. إلى أين وصلت هذه القضية؟ - - قضية جمعة الكرامة لها تشعبات عديدة، وقد عقدت أول جلسة لها في المحكمة في يوليو 2011 لكننا رفضنا حضورها لأنها عقدت في ظل وجود النظام السابق والذي ساهم بشكل مباشر في ضياع الأدلة ومحو الكثير من آثار الجريمة خلال تلك الفترة وحينما قال الرئيس المخلوع النائب العام كرسالة واضحة للتغطية على الجريمة والمجرمين والمخططين والمنفذين فقد أعلنا في ساحة التغيير عن مقاطعتنا لتلك الجلسات.
- إلى أين وصلت القضية الآن؟ - - بعد تغيير النظام وانتخاب الرئيس هادي بدأنا بحضور الجلسات، ووضعنا اختبار حقيقي للمحكمة بتقديمنا طلب إدخال الرئيس المخلوع وأركان نظامه المتهمين في القضية في قائمة المطلوبين للتحقيق معهم ولكن المحكمة ظلت تدرس هذا الأمر لفترة طويلة وكان يفترض أن تفصل فيه من الشهر الماضي لكنها فاجأتنا بإصدار قرار لم يكن متوقعاً، وكان غريباً فعلاً بالنسبة لنا، حيث أحالت ملف القضية مع قانون الحصانة على الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا، وكأننا تقدمنا بدفع بعدم دستورية قانون الحصانة في حين أننا لم نتقدم بأي دفع بشأن القانون، وإنما طالبنا بالتحقيق مع أولئك المتهمين ومواجهتهم بالأدلة والاستدلالات التي جمعناها وفيها إثباتات على تورطهم في التخطيط والتنفيذ لجريمة جمعة الكرامة، وبالتالي – طبعاً – يفترض أن تفصل الدائرة الدستورية في المحكمة العليا في دستورية قانون الحصانة خلال سبعين يوماً.
- وهل قرار المحكمة بإحالة ملف القضية على المحكمة العليا يعد خطوة لصالح المتهمين؟ - - حتى نكون واضحين فإنه يوجد 79 متهماً غير من طلبنا إضافتهم إلى قائمة المتهمين وعلى رأسهم الرئيس المخلوع، والمتهمين ال 79 نحن نعتبرهم مجرد أدوات ومنفذين لمخططات آخرين هم الفاعلين الأساسيين الذين خططوا وأمروا ومولوا تنفيذ الجريمة ، وكان يفترض أن تحيل المحكمة طلبنا بالتحقيق معهم إلى النيابة للتحقيق فيه وعلى النيابة البدء بالتحقيق فيه، وإذا ما تقدم محامو الطرف الآخر بدفع لإحالة الطلب إلى الدائرة الدستورية فحينها كان يمكن تفهم قرار المحكمة، ولكنها فاجأت الجميع بما في ذلك الطرف الآخر بقرار الإحالة الذي لم يقدم دفع بشأنه من أي طرف.
- هل تخشون من اتخاذ الدائرة الدستورية قراراً ليس في صالح الضحايا؟ - - نحن حقيقة نطعن في دستورية الدائرة الدستورية لأنها معينة من النظام السابق ولا نطعن في نزاهة قضاتها، كما أن تاريخ الدائرة الدستورية يؤكد أنها لم تفصل في عدم دستورية أي قانون.
- بالنسبة لقانون الحصانة هو موجود باتفاق كافة القوى السياسية المسيطرة على البلد وبما في ذلك القوى الممثلة للثورة وشهدائها الأبرار، فماذا يمكن أن تفعلوا لنقضه؟ - - هذا القانون ليس دستوري وحسب، ولكنه يتعارض مع كافة المبادئ الدستورية المحلية والدولية والشرائع السماوية، ولهذا لو تم تحصين هذا القانون قضائياً فإنه يفتح لذوي الضحايا بوابة القضاء الدولي الذي لا يعترف بمثل هذا القانون، والقضاء الدولي يشترط استنفاد كل الطرق في القضاء الوطني قبل أن يبدأ النظر في مثل هذه القضايا والجرائم، ولأن الأممالمتحدة والمنظمات الدولية ترفض أصلاً وجود قوانين تحصن المجرمين فإنها ستقف إلى جانب الضحايا بكل قوة.. وبالمناسبة هناك وقائع مشابهة حدثت في الأرجنتين مثلاً حينما تم تحصين القادة العسكريين الذين قاموا بالانقلابات وارتكبوا جرائم كبيرة، ثم صدرت قوانين حصنتهم في بلدانهم، فجاءت بعد ذلك حكومات ديمقراطية طعنت في تلك الحصانة، فتم إلغاؤها وحوكم العسكريون عام 2010 وهم الآن يقبعون في السجون، وعليه فإنه يمكن نقض قانون الحصانة محلياً مستقبلاً، أو اللجوء إلى القضاء الدولي لملاحقة المجرمين والقصاص منهم.. وعموماً نحن لن نستبق حكم الدائرة الدستورية، ونرجو أن تكون متجردة تماماً من أي مؤثرات حينما تصدر حكمها المنتظر والذي نأمل أن يزيل وصمة العار التي انفردت بها اليمن عن باقي دول الربيع العربي بوجود قانون الحصانة سيء الصيت.
- القوى السياسية الممثلة للثورة وافقت على قانون الحصانة مقابل إقرار متزامن لقانون العدالة الانتقالية لإنصاف وتعويض الضحايا، ولكنه لم يصدر إلى الآن فماذا يعني لك هذا ؟ - - إنصاف الضحايا بتعويض ذويهم وجبر الضرر لا يلغي حقهم بالمطالبة بمحاكمات عادلة للمجرمين ومن ثم هم مخيرون بين العفو عن المجرمين أو التمسك بتنفيذ ما ستصدره المحاكم بحقهم.. وإذا ما وجدت مصالحة وطنية حقيقية فربما يكون العفو بعد صدور أحكام العقوبات هو الأرجح.