في العام 2005 الذي أعلن فيه زهده في الترشح لانتخابات 2006 الرئاسية قال المخلوع علي عبدالله صالح إنه سيعود إلى صفوف الجماهير «مواطناً صالحاً» ويتفرغ لكتابة مذكراته بعد مغادرة المنصب الرئاسي. مضت الشهور بعد ذلك. تراجع عن نية عدم الترشح، خاض معركة ضروساً للبقاء على رأس السلطة.. وحينما أخرج مرغماً من دار الرئاسة في فبراير الماضي أصر على البقاء قريباً جداً من كرسي الرئاسة ومحتفظاً بلقب «الزعيم» بصورة أو بأخرى.. مشكلة، لا ندري متى سيتفرغ لمذكراته المنتظرة بفارغ الصبر من خصومه قبل مؤيديه! المخلوع متمسك بالزعامة عبر رئاسة المؤتمر ويمارس هواياته الرئاسية في جامع الصالح.. صحيح مقر اللجنة الدائمة يقع في منطقة خطره يصعب على المخلوع الوصول إليها، ولكن بإمكانه شراء مقر أضخم في شمال العاصمة، الجهة الممتدة من حدة إلى سنحان، لا أن يظهر في الجامع المجاور للرئاسة ليشتم ويهدد ويكذب (وكأنه على طاولة مؤتمرات عبده الجندي) وينسى أنه في بيت الله المخصص للعبادة وقراءة القرآن وإلقاء المحاضرات الدينية المذكرة بالخوف من الله والعمل لليوم الآخر! المخلوع وصل إلى حافة الموت قبل شهور في جامع دار الرئاسة.. ومع ذلك لم يستفد من النجاة ليتفرغ على الأقل لمذكراته، ليتحف اليمنيين والأمتين العربية والإسلامية بكنز وثائقي يخشى العالم بكامله عليه لو حدث للمخلوع مكروه آخر! مذكراته بكل تأكيد ستكون أكثر أهمية من الملفات «الخطيرة» عن ثورات الربيع العربي التي يتوعد بنشرها مستقبلاً.. وليترك نبش هذه الملفات للشباب، أحمد ويحيى وطارق وعمار وخالد.. فلديهم إمكانات استخبارية وأمنية، وجيش جرار من الكتاب المرتزقة تكفيهم للقيام بالمهمة وعلى أفضل وجه.
لو يقتنع الزعيم (المؤتمري) بالحياة لمدة عام أو عامين في أحد منتجعاته الفاخرة في أوروبا أو المغرب العربي وبدأ يعيشها بعد أيام أو أسابيع، سيكشف كم هو ظالم لنفسه وعائلته بالإصرار على إدارة صراع غابات في اليمن لن يستفيد منه في نهاية المطاف، ولن يسلم في النهاية من شره. يعلم الله وحده أي مصير ينتظره، ونحن لا يهمنا مصيره أو مستقبل عائلته إنما مذكراته هل ستخرج إلى النور أم لا!
إذا كان اليوم يعاني «حنبة» حقيقية في السبعين، ويبدو أنه يتجرع فيها علقم نهاية مأساوية تثير الإشفاق أكثر من أي شيء آخر، فكيف لو حمي الوطيس، وقادته الأحداث إلى ذل منفى أقسى، أو سجن أظلم، أو لقي حتفه على الطريقة القذافية.. هذه الأخيرة نخشى منها فعلاً لأنها ستحرمنا من جواهر المذكرات التي طال انتظارها!