اسعار الصرف في صنعاء الإن    كاتب سعودي يقترح دمج المعلمين والمعلمات في جميع المراحل الدراسية    264 شهيدا وجريحا إثر غارات دموية متواصلة على قطاع غزة    انفجار يقتل مواطنًا وزوجته على متن دراجة نارية    الفلكي الجوبي يكشف موعد أول أيام السنة الهجرية الجديدة ويفجر مفاجأة بشأن بداية شهر رمضان    المنتخب الوطني للشباب يواجه نظيره الكويتي لحسم التأهل لنصف نهائي بطولة غرب آسيا    اليمن يوقع اتفاقية تفاهم مع الشركة الصينية للطاقة والمعدات الكهربائية    سيتعافى الوطن بخروج الديدان من جسده    الهجري والأشول يشاركان في فعالية مع نائب رئيس المجلس الصيني لتعزيز التجارة الدولية    الحوثي لن يكتفي بالسيطرة على الجنوب.. بل سيعمل على استنزاف السعودية وتهديد أمنها    مصرع قائد الحوثيين في إحدى جبهات تعز.. واندلاع معارك شرسة    تعيين سامر فضل مدرباً لمنتخب الناشئين وعلي النونو مساعداً له    دائما غالب رجال الدين من الأغنياء وأتباعهم من الفقراء    جيش الجنوب رأس حربة لشعب مناضل حر ومقاوم    دحابشة اب اليمنية يحرقون مناحل العسل لأبناء أبين    الرئيس الزُبيدي يُعزُّي في وفاة مستشار محافظ شبوة الشيخ طالب السليماني    أزمة كبيرة وقع فيها من يُسمون "بالصهاينة العرب"    ثلاثون منظمة تدعو للإفراج غير المشروط عن قحطان وتطالب الرئاسة بتحمل مسؤولياتها    قيادي حوثي : "لا مجال للضغط على صنعاء فقد حسمنا أمرنا"    استون فيلا يضم لاعبا جديدا    ويليامز: نحن المنتخب الافضل في اليورو    لودر: كارثة بيئية تلوح في الأفق مع غرق الشارع الرئيس بمياه الصرف الصحي وتهديد كارثة وبائية    صورة التون خوسيه لاعب النصر السعودي السابق وهو يقرأ القرآن الكريم تثير تفاعلا كبيرا    أول تصريح للمجلس الرئاسي بعد بروز مخاوف من استغلال الحوثيين فتح الطرقات لإسقاط تعز ومارب    عدن.. مواطن يشكو استمرار حبسه رغم صدور حكم قضائي ببراءته    "لم يتبقَّ سوى القمر والشمس لم يقعا بعد تحت أيديهم"..صحفي يسخر من الحوثيين لاختطافهم طيران اليمنية    صدمة كبرى ...مليشيا الحوثي تحتجز جثامين المرضى وتبيعها لعائلاتهم مقابل مبالغ مالية كبيرة    اكبر كذبة في تاريخ الاسلام    تحرك مهم ونوعي قد يقلب الأمور رأسا على عقب.. الحكومة تدعو الصين للتدخل والعودة إلى اليمن    تقرير للبنك الدولي يحذر من تأثيرات خطيرة لتصعيد الحوثيين على الاقتصاد الوطني    الإرياني يكشف عن تنازلات قدمتها الشرعية قبل اختطاف الطائرات ويحمل المليشيات مسؤولية تعثر نقل آلاف الحجاج العالقين    رئيس انتقالي لحج "الحالمي" يُعزّي في وفاة المناضل احمد محمد "حميدان"    هيئة بحرية: تلقينا تقريرا عن حادث على بعد 150 ميلا بحريا قبالة الحديدة غربي اليمن    سعر الريال السعودي في عدن وحضرموت اليوم الجمعة 28 يونيو 2024    اعتقال رجل أعمال عقب مداهمة مدرسة أهلية يملكها شمالي عدن    مواهب قادمة بقوة تكتشف في البطولة المفتوحة الثالثة لألعاب القوى للأشبال بوادي حضرموت`    الدحابشه يحقنون شعب الجنوب العربي بمواد مسرطنة    "الأنا" والوطن    كارثة تضرب محافظة جنوبي اليمن ومئات المواطنين يتوافدون للمستشفيات وإطلاق مناشدة عاجلة    شاهد ..عشرات النساء اليمنيات يتجولن بالزي الشعبي اليمني بأحد الشوارع الأمريكية (صور)    الفلكي الجوبي: كويكب يقترب من الأرض.. وهذا ما سيحدث يوم غدٍ السبت    رفقاً بشبابنا الكبار!!    وفاة الشخصية الاجتماعية والإدارية "طالب محمد السليماني بعتق بشبوة    قوات دفاع شبوة تنعي استشهاد أحد جنودها الابطال في منطقة المصينعة    صفقة رابحة ....القادسية السعودي يضم قائد ريال مدريد    فضيحة: مليشيا الحوثي تستنزف مياه ذمار لأرباح شخصية    رعد قاتل يخطف حياة امرأة ويُشعل منزلاً في المحويت!    الكشف عن أول تحرك يمني سعودي بشأن الحجاج العالقين بعد اختطاف الحوثي طائرات اليمنية    مأساة في مزرعة تعز: صاعقة رعدية تقتل 52 رأس غنم دفعة واحدة    اختتام دورة الأطباء المؤثرين حول أهمية اللقاحات ضد شلل الأطفال    يشبه المسند اليمني.. السعودية تعلن عن اكتشاف نقوش ثنائية الخط يعود تأريخها للقرن الخامس الميلادي    وقفة مع كلام عبدالرب النقيب    عرض تمثال من آثار اليمن القديم للبيع    التعليم في حضرموت قبل سنة 1967م (المعهد الفقهي بتريم)    الضالع تلحق الهزائم بالأتراك والزيود قبل 535 عام    طبيبة مشهورة في تعز تفقد حياتها جراء خطأ طبي: النقابة تفتح تحقيقاً وتطالب بالعدالة    احمد بن علوان وكرامة السلالة    الجعفري يشارك بمهرجان لودية الثقافي ويشيد بدور أبنائها بإحياء الموروث الشعبي بالشعيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الربيع العربي (وإسقاط فتاوى الاستبداد)
نشر في الخبر يوم 26 - 08 - 2012

ما لم ينتبه إليه كثير من المتابعين لتحولات الفكر الإسلامي، وعلاقاته المتشابكة بشؤون المجتمع والدولة والسياسة في الواقع الراهن، أن فتاوى سد ذرائع الحرية، كانت أول ضحايا أحداث «الربيع العربي»، بعد أن أسقطت جماهير الأمة حاجز الخوف، وانقشعت ظلمة الاستكانة التي استسلمت لها شعوبنا العربية لعقود متطاولة.
لقد وجَدتْ قاعدة «سد الذرائع» طريقها إلى التطبيق السلبي في قضايا المجتمع والدولة، ومشكلات الحرب والسياسة في الدولة العربية الحديثة عبر «فتاوى» كثيرة، كان من أشهرها «فتاوى حرب الخليج الثانية» التي اندلعت ضد العراق يوم 29/6/1411 – 16/1/ 1991، ثم تكاثرت هذه الفتاوى في سياق المظاهرات الشعبية التي اتسع نطاقها في أجواء ما سُمي «الربيعُ العربي» في سنتي 1432/1433ه – 2011/2012م. وعلى الرغم من الصعوبة البالغة في تتبع تلك الفتاوى؛ نظراً لكثرة عددها وتضاربها في الموضوع الواحد، إلا إننا سنحاول التعرف على أهم آليات تشغيل قاعدة «الذرائع» فيها، وما المآلات التي آلت إليها هذه القاعدة على أرض الواقع: هل أدت مهمتها في قطع الطرق المؤدية إلى تضييع المصالح وحسم ذرائع الفساد أم لا؟
لقد انخرط كثير من المفتين الشرعيين في إصدارِ فتاوى منع التظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات التي مهدت ورافقت أحداث «الربيع العربي»، وذهب أغلبهم إلى تحريم التظاهر والاحتجاج الجماعي، وتعللوا في ذلك بقاعدة «سد ذرائع الفساد والفوضى»، تماماً كما فعل بعض أسلافهم أو كثير منهم في الأزمنة السابقة، ولكن دون أن يتعلم المفتون المعاصرون الدرس من السابقين؛ حيث لم تؤد فتاواهم إلى درء مفاسد الفوضى والفتن، بل تسببت فقط في مزيد من التضييق على الحريات العامة، وإهدار الحقوق.
صحيح أن بعض المفتين المعاصرين ذهب إلى إجازة الاحتجاجات والتظاهرات العامة المطالبة بالحقوق والحريات والمناهضة للاستبداد والفساد، فتحاً لذرائع الحرية في عديد من مجتمعاتنا، إلا أن صوت المفتين بالسد والمنع ظل أعلى وأشيعَ من نظرائهم المفتين بالفتح والإجازة. وبعيداً عن الفريقين، فإن الملاحظة المباشرة تقول لنا إن أغلب المتظاهرين في عواصم ومدنِ العالم العربي في أغلبهم لا ينتظرون مثلَ تلك الفتاوي كي يقرروا المشاركة أو عدم المشاركة فيها، فضلاً عن أن أكثرهم لا يهتم بقراءتها أو التدقيق في أدلتها.
إن الخلافاتِ بين مراجعِ الإفتاء واقعةٌ في شأن «التظاهر السلمي»، وغيره من أشكال الاحتجاج السلمي مثل: الاعتصامات، والإضرابات، والعصيان المدني. أما الاحتجاجات غير السلمية فلا خلاف بين الجميع في منعها لكون المفاسدِ والأضرار التي تؤول إليها راجحة. ولا تغيب قاعدة «الذرائع» سداً أو فتحاً عن الحجج التي يسوقها المؤيدون والمعارضون.
الحجةُ الأساسية للذينِ يفتون بجواز التظاهرات وغيرها من صور الاحتجاجات السلمية هي: أنها من من بابِ «العادات والعرف»، و«المصالح المرسلة»؛ حيث إنها تجلب المنافع وتدفع الأضرار، وأن الأصل هو الأمر الشرعي بالتغيير إلى الأفضلِ، وعدم الرضا أو السكوت على الفساد والمعاصي والظلم، وإلا أصابنا الله بالخذلان في الدنيا، والنيران في الآخرة؛ فقد جاء في التنزيل: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون). إلى غير ذلك من الأدلة
أما الحجةُ الأساسيةُ للذين يفتونَ بمنع التظاهرات فهي: أنها بدعةٌ مستحدثةٌ من أفعال الكفار في الغربِ، وأنها ذريعةٌ للشغب والفوضى والتخريب والصدام مع الشرطة، واختلاط الرجال بالنساء (لاحظ تكرار أخبار حوادث التحرش بالنساء في التظاهرات، وقد يكون بعضها مفتعلاً وبعضها الآخر غير ذلك). وهي أيضاً باب للخروج على الحكام وفتح ذرائع الفتنة
وفتاوى منع التظاهرات استناداً إلى تلك الحجج وأمثالها متظاهرة متكاثرة، منها ما جاء في فتوى قديمة للشيخ بن عثيمين التي يرددها كثيرون في شأن منع تظاهرات «الربيع العربي». وفيها قال: «المظاهرات كلها شرٌ؛ سواء أذنَ فيها الحاكم أو لم يأذن، وإذن بعض الحكام بها ما هي إلا دعاية، وإلا لو رجعت إلى ما في قلبه لكان يكرهها أشدَّ كراهة، لكن يتظاهر بأنه كما يقول: ديمقراطي، وأنه قد فتح باب الحرية للناس، وهذا ليس من طريقة السلف». ومنها فتوى الشيخ عبدالعزيز الراجحي: «السؤال: ما رأيكم فيمن يُجوِّزُ المظاهرات؛ للضغط على ولي الأمر حتى يستجيب له؟ الجواب: المظاهرات هذه ليست من أعمال المسلمين، هذه دخيلة، ما كانت معروفة إلا من الدول الغربية الكافرة».
تستند تلك الفتاوى التي تمنع المظاهرات والاحتجاجات السلمية إلى قاعدة «سد الذرائع»؛ خشية وقوع ما أشار إليه المفتون من مفاسد. أما الأضرار والمظالم التي يئن منها الناس، فلا يعدم أولئك المفتون عشرات الأدلة للبرهنة على فضيلة الصبر، واحتساب الأجر عند الله، وتفويض الأمر إليه. وعندما يرد الحديث عما هو واقع من المفاسد وليس «المتوقع» يأتي رد أولئك المفتين باستدعاء تراث «السياسة الشرعية»، مع تكثيف التركيز على ما فيه من وصايا «الرضا» على الحاكم مهما كان ظلمه وفسقه وفجوره؛ «حتى يستريح برٌ، أو يستراح من فاجر» كما قال بعضهم.
وهكذا يبدو المشهد «الإفتائي» في مجمله «سورياليا»، فحجج كل فريق منقوضة عند الفريق الآخر، لا حجر منها يبقى على حجر.
وما يزال الوقت مبكراً لمعرفة «مآلات» فتاوى تظاهرات «الربيع العربي»، وهل ستكون كغيرها من الفتاوى التي تناولت «مصالح عامة» على الأقل في العصر الحديث، ولم يأبه لها جمهور الناس، أم سيختلف مآلها من بلد لآخر بحسب ضغوط عمليات التغير الاجتماعي ومطالبات الإصلاح السياسي، وظهور محاولات اجتهادية جديدة من داخل منظومة الفكر الإسلامي السياسي؟
ما يلفت نظرنا هو أنه بينما حظيت تظاهرات «الربيع العربي» بعشرات من الفتاوى، وأثارت حفيظة عشرات من المفتين والفقهاء، لم تحظَ «قوانين الطوارئ العربية» بعناية أي مرجع إفتائي، لا مجمع فقهي، ولا مفتٍ مفردٍ؛ لكي يبحثها وفق قاعدة «سد الذرائع وفتحها» وغيرها من القواعد الأصولية ذات الصلة برعاية «المصلحة» و«دفع الضرر».»
وكان الأولى أن تستحوذ هذه القوانين السيئة السمعة على اهتمام كثيرين من رجال الفقه والإفتاء المعنيين بالنظر الشرعي في المصالح والمفاسد العامة التي تصيب السواد الأعظم من أبناء الأمة، وتؤثر تأثيراً بالغ السوء في مكانة الأمة بين أمم العالم.
إن معظم الدساتير العربية تمنح رئيس الدولة حق إعلان «حالة الطوارئ»، وتعطيل العمل بالدستور ذاته، ووقف العمل بالقوانين العادية، كلياً أو جزئياً في حالات كثيرة منها: وقوع الفوضى، والكوارث الطبيعية، والحرب، والنزعات الأهلية و«الفتنة» الداخلية.. إلخ
وأياً كانت الدوافع التي تذرع بها العلماء من المفتين والفقهاء؛ لتحاشي الخوض في نقد قوانين الطوارئ نقداً أصوليا من باب الموازنة بين المصلحة والمفسدة، فإن المهم الآن ليس البكاء على اللبن المسكوب، وإنما هو تذكير هؤلاء ودعوتهم إلى البحث في قوانين الطوارئ وإعلان الرأي الشرعي فيها وذلك للأسباب التالية:
السببُ الأولُ هو دخول جميع قوانين الطوارئ بكل تفاصيلها تحت قاعدة «سد الذرائع»، وغيرها من القواعد الأصولية الخاصة برعاية المصالح كما أسلفنا.
والثاني أن الفكرةَ الأساسية لهذه القوانين متجذرة في كتب «السياسة الشرعية». وهذا مجرد «افتراض» مني، وهو بحاجة إلى «أصولي نابه» يقوم بالتثبت من صحته؛ وبالتالي يتعين أن يتشارك علماء الاجتماع السياسي الإسلامي مع علماء الفقه وأصوله في بحث هذا الموضوع الشائك.
والسببُ الثالثُ أن تأثيرات هذه القوانين أسهمتْ في تشكيلِ مسارات ووقائع التغير الاجتماعي والسياسي في عديد من المجتمعات العربية خلال النصف قرن الأخير.
ولا توجد اختلافاتٌ نوعيةٌ كثيرةٌ بين نصوص قوانين الطوارئ العربية.
وأنا أدعو السادة المفتين والذين يرون في أنفسهم القدرة على الاجتهاد والتصدي للدفاع عن المصالح والحريات العامة للمواطنين إلى أن يقرؤوا نص المادة 3 من قانون الطوارئ المصري رقم 162 لسنة 1958، أو نص المادة 4 من قانون الطوارئ السوري رقم 51 لسنة 1962، ويقولوا لنا رأيهم الشرعي في أي منهما. ولا أريد أن أعكر أمزجة القراء الكرام بذكر هذين النصين .. فقط أرجو من السادة المفتين والعلماء قراءتهما وإفادتنا بالرأي الشرعي في جواز وجودهما أصلا في أي تشريع قانوني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.