كنت ومجموعة من الأصدقاء نبحث في توقيع عريضة احتجاجية حول التدخل الأجنبي في العالم العربي وانتابني فجأة بعض التردد خشية ان تفسر هذه المحاولة بطريقة سيئة الى ان حسم اصدقائي الموقف بالقول أن التدخل الاجنبي يجب ان يكون مرفوضا في كل زمان ومكان وبرغم كل الحجج والاعذار وبالتالي لا حاجة للتردد فكان أن استانفناالمحاولة ومضينا بها حتى نهايتها. وعلى الرغم من شعوري بالغضب ازاء زعيم عربي في شمال افريقياسبق له ان لعب ادوارا سيئة في عدد من الدول العربية من بينها اليمن فانني عبرت عن اصراري على ان تتضمن العريضة فقرة عن وجوب عدم التدخل الاجنبي في بلد هذا الزعيم الافريقي تحديدا علما انني كنت قد وقعت عريضتين تنطويان على ادانة قاطعة لسياسته الداخلية والخارجية ليس فقط في شمال افريقيا وانما في العالم العربي عموماوذلك انطلاقا من معادلة ان نكون احرارا نفعل ما نريد في عالمنا العربي أو أن نكون تابعين لهذه الدولة الاجنبية او تلك. في الحالة الأولى نختار حكامنا بالطريقة والوسيلة التي تناسبنا وفي الحالة الثانية نكف عن النظر الى الداخل وننظر الى الخارج للتخلص من التبعية. تلك هي روح البيان العريضة الذي حمل عنوانا مثيرا: "لانريد جيوشا اجنبية في عالمنا العربي" ويتوقف النص ايضا عند اللغة التي استخدمها جورج بوش ضد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين حيث كان يقول مبررا غزو العراق: "صدام يقتل شعبه" فاذا به يرسل المارينز الى العراق لقتل الشعب العراقي واليوم يكرر اوباماالعبارة نفسها عن معمر القذافي وكأني به يريد ان يرسل جيشه أيضا لتكرار الماساة في ليبيا. كعادتنا في توقيع البيانات الاحتجاجية صادفنا هذه المرة ايضا عددا من الاقتراحات بتعديل فقرة منها واضافة فقرة من هناك وثالثةمن هنالك ومن بين المقترحات وردني اقتراح من صديق صحافي شهم ازوردائماموقعه الالكتروني وأثق بندواته المتوازنة والصادقة وامتنع عن ذكر اسمه لانني لم اتمكن من استئذانه وهو يقول: " نعم سأفعل(أي يوقع ويتبنى العريضة)ان وافقتم على اضافة الدعوه للرؤساء بالاستجابة لطموحات شعوبهم، والاستماع لارائهم وتنفيذ مطالبهم،والكف عن استخدام العنف في مواجهة الانشطة السلمية،كذريعة ستستخدمها القوى الدولية ذات المصالح في التواجد على أراضي الشعوب ." وردي على الصديق كان في الشكل حصرا فقلت ان من الصعب ان نعيد صياغة البيان بعد توزيعه على مئات المثقفين وقد اعتذرت منه وقلت في سري ان الامر يحتاج الى نقاش علني خصوصا ان آخرين غيره ومن بلدان عربية متعددة اثاروا النقطة نفسها وبعبارات مختلفة لكنهم لم يشترطوها للتوقيع. اما الفقرة الاعتراضية اعلاه فتتضمن نقطتين الاولى تريد من الحاكم ان يستجيب لمطالب شعبه وهي بديهية فالحاكم في التفسير اللغوي هو اسم فاعل لفعل حكم والفعل مصدره الحكمة ما يعني ان من لاحكمةعنده لا حكم له واول علامات الحكمة الاستماع الى الشعب ومطالبه وارائه اذن لا خلاف على هذه النقطة. اما النقطة الثانية فهي تحتاج فعلا الى نقاش جدي إذ غالبا ما سمعناها في ندوات ونقاشات عديدة وبصيغ مختلفة ويراد منها حجب الاعذار في بلداننا العربية حتى لا يستخدمها الاجنبي لاحتلال بلداننا بكلام آخر يجب ان يكون سلوكنا مناسبا للاجنبي حتى يرضى عنا ولا يجتاح بلداننا وهذا التفسير انا مسؤول عنه وليس صديقي المعني الذي اعرف ان كلامه يراد منه تكتيكا معينا للضغط على الحاكم ليس الا. ولاأخفيك عزيزي القاريء انني اشعر بالحرج لهذا المنطق لانه ينطوي على لاوعي سياسي ضعيف الحيلة والارادة مفاده: ان فعلت كذا ياتيني الاجنبي انا الضعيف وهو القوي الكلي القدرة علما أن هذا المنطق لا يساعد في رد العدوان الاجنبي ولا يحمي البلدان المعرضة للاجتياح ولعل تاريخ الاجتياحات في بلداننا يحمل معه اجوبة قاطعة على ما نقول.فقد غزا نابليون بونابرت مصر بحجة ان المماليك يعتدون على التجار الفرنسيين وكان عددهم في مصر اقل من اصابع اليد الواحدة ومن بعد قال ان المماليك يقتلون الشعب المصري وانه يريد تحريره من ظلمهم فاذا به يجتاح مصرويقتل الشعب المصري في الريف والمدينة بلا رحمة ويحرق القاهرة ويدخل بسلاح الخيالة الى الأزهر ويستقر جنوده في الجامع المقدس ويعاقرون الخمرة في محرابه.. الخ. وفي الجزائر جاء الفرنسيون بدعوى تخليص الجزائريين من عسف الدايات والقضاء على القرصنة فاذا بهم يصادرونها 130 سنة ويقتلون مليون ونصف مليون جزائري من اصل ستة ملايين حينذاك. وفي اليمن احتل البريطانيون عدن بداعي أن احدى سفنهم غرقت على شاطيء ابين وظلوا في جنوب البلاد 130 عاما ولو لم تغرق السفينة لتذرعوا بشيء آخر.وفي العراق جاء بوش للبحث عن اسلحة الدمار الشامل و تخليص العراقيين من حاكمهم فاذا به يقتل مئات الاف ويدمر البلد ويطيفه ويخربه الى حد ان قيامته تحتاج الى عقود اما أسلحة الدمار الشامل العراقية فتكاد ان تدخل الموسوعات الدولية بوصفها اكبر كذبة في القرن الواحد والعشرين. هكذا يتضح ان الاجنبي يجتاح بلداننا اذا كانت ضعيفة ويحجم عن الاعتداء علينا إن كنا اقوياء. خلاصة القول اننا لانريد جيوشا اجنبية في بلداننا وهذا حق مقدس ضمنته لنا الشرائع والمواثيق الدولية ويضمنه تاريخنا العريق كامة شريكة في صنع الحضارة العالمية وليست تابعة ذليلة لا تلوي على شيء. نعم لا نريد جيوشا أجنبية في عالمنا العربي ولا نريد قواعد عسكرية اجنبية ولا نريد ان يتدخل الاجانب في شؤوننا ما نريده هو ان نكون شركاء في عالم يحتاج فيه كل منا للآخر ليس بوصفه تابعا أو سيدا وإنما ندا مساويا في الحقوق والواجبات اما قضايانا الداخليةفهي لنا وحدنا ولعل اهل الجزائر يختصرون ذلك بالحكمة الدارجة: خيرنا منا وشرنا منا وليس لغريب شأن بنا.