يعكف باحثون في ألمانيا حاليا على تطوير نظام لل"إنذار المبكر" يساعد على معرفة الأماكن المعرضة للالتهاب وبالتالي علاجها مبكرا وتجنب الآثار الجانبية المحتملة وذلك في ضوء زيادة مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية نتيجة الافراط في استخدامها . يقول الباحثون انه لفترات طويلة كان ينظر للمضادات الحيوية على أنها الوسيلة السحرية لعلاج الالتهابات، لكن التجارب تثبت دائما أنها ليست كذلك، فالمستشفيات الألمانية تستقبل سنويا ما يصل إلى 600 ألف إصابة بالبكتيريا . وفي بعض الأحيان تتدرب مسببات الأمراض من فيروسات وبكتيريا وطفيليات على كيفية تدمير المضاد الحيوي بأنواع مختلفة، وهنا يتحدث العلماء عن "فيروسات عالية المقاومة"، ويقولون ان السبب في فقدان المضادات الحيوية على مستوى العالم كله فاعليتها صار معروفا، فاستخدامها بكثرة وبشكل منتظم يعطي للبكتيريا فرصة جيدة "للتدريب" على مقاومتها . وذكرت الاذاعة الالمانية "دويتشه فيله" في تقرير لها بهذا الخصوص أن التعرف إلى الجروح التي يمكن أن تصاب بالتهابات بكتيرية في الوقت المناسب وعلاجها في وقت مبكر هو الهدف الذي تعمل عليه كاترينا لاندفيستر وفريقها بمعهد ماكس بلانك لأبحاث البلمرة في مدينة ماينس الألمانية . ونقلت الاذاعة الالمانية عن لاندفيستر توضيحها لأبحاثها العلمية قائلة: "نجري أبحاثنا على اللدائن فهي مجال واسع يشمل أكثر من مجرد أنابيب معجون الأسنان أو مواسير الصرف الصحي" . وقد طورت لاندفيستر وفريقها البحثي كبسولات صغيرة من مادة الهايلورنيك يطلق عليها اسم "حاويات النانو" . وهي تحاول تقريب صورة هذه المادة العلمية للذهن بقولها: "ان عشرة آلاف من حاويات النانو تشكل في النهاية مليمترا واحدا" . ويتم توزيع الحاويات الممتلئة بمادة ملونة على الرباط الذي يغطي الجرح . ويبدأ التفاعل الكيميائي حال استقرت بكتيريا على الجرح إذ تهاجم البكتيريا الكبسولات وتمتص ما بداخلها وهنا تخرج المادة الملونة من داخل الكبسولة وتظهر بوضوح ألواناً خضراء أو زرقاء أو حمراء على الرباط الذي يغطي الجرح وتصبح كأنها إنذار للأطباء بوجود بكتيريا في هذه المنطقة . ويحمل نظام الإنذار المبكر من البكتيريا أهمية كبيرة لأنه يكشف عن العدوى في بدايتها المبكرة وبالتالي يقلل من كمية المضادات الحيوية الضرورية . ومن جانبه يقول الخبير مارتين ميلكه المختص في أبحاث العدوى بمعهد روبرت كوخ "ان المضادات الحيوية تستخدم منذ سنوات طويلة كعلاج سحري على مستوى العالم، ولكن هذا الإفراط في استخدامها لا يخلو من نتائج خطيرة،فهو يجعل البكتيريا أكثر مقاومة" . ويضيف قائلا: "البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية تتمتع بفرصة أكبر في النجاة وهي تتكاثر أيضا بشكل أكبر" . ويرى الباحثون في معهد ماكس بلانك أن تطوير تقنية فعالة للإنذار المبكر من البكتيريا هي الحل الأمثل للكشف عن البكتيريا والبدء في التصدي لها في الوقت المناسب . وتقول لاندفيستر: "يجب أن تبدأ عملية التصدي للبكتيريا بمجرد أن يتحول لون الرباط الذي يغطي الجرح للأخضر أو الأزرق أو الأحمر . مجرد ساعات قليلة هي التي قد تحدد ما إذا كان الجرح سيشفى أم أن الأمر سيتطور لتسمم في الدم" . وتتم عملية العلاج بنفس مبدأ الإنذار المبكر مع تعديل في محتوى الكبسولات الصغيرة ووضع المواد الدوائية كبديل عن المواد الملونة . والمادة الدوائية هنا هي غالبا المضاد الحيوي . فالعدوى يجب أن تعالج بعقار طبي حتى وإن تم اكتشافها مبكرا، لكن الحالات التي تكون فيها الإصابات طفيفة يمكن فيها الاستعانة بأدوية أخف من المضادات الحيوية . ومن جانبها تشير ريناتا فورش، الباحثة في مشروع تطوير آلية الإنذار المبكر، إلى طرق علاجية قديمة وإلى الاعتماد على خلط مواد مع بعضها، وتقول: "عرف اليونانيون والرومانيون أهمية الفضة والزنك كمضادات للبكتيريا" . وتضيف "يجب الاستفادة من جميع الإمكانيات التي تحد من استخدام المضادات الحيوية" . وتتركز ميزة "تقنية النانو" على الوصول إلى النتيجة المثالية باستخدام أقل كميات ممكنة من المواد الدوائية كما تقول لاندفيستر . وفي حال لم يتغير لون الرباط الأبيض الذي يغطي الجرح بعد وضع الكبسولات فإن هذا يعني أن "كل شيء على ما يرام" وبالتالي يوفر الطبيب على المريض ألم فك الرباط وفحص الجرح لمعرفة ما إذا كانت هناك التهابات أم لا .