وفد الإصلاح برئاسة الآنسي يزور القصر الامبراطوري ومتحف الحزب الشيوعي الصيني    روما يصدم لورينتي    مقتل مدنيين اثنين في الحديدة بانفجار لغم زرعته مليشيا الحوثي الارهابية    مصرع 4 عناصر من المليشيات الحوثية الارهابية بينهم قياديين شمال تعز    سامر فضل: هدفنا هو التأهل إلى نهائيات كأس آسيا للناشئين    وفاة مذيع وإعلامي يمني كبير ووزارة الإعلام ونقابة الصحفيين تنعيانه    الانقلابات العسكرية في الجنوب والوطن العربي أسوأ من الاحتلال الإسرائيلي    كاتب سعودي يقترح دمج المعلمين والمعلمات في جميع المراحل الدراسية    اسعار الصرف في صنعاء الإن    264 شهيدا وجريحا إثر غارات دموية متواصلة على قطاع غزة    الفلكي الجوبي يكشف موعد أول أيام السنة الهجرية الجديدة ويفجر مفاجأة بشأن بداية شهر رمضان    المنتخب الوطني للشباب يواجه نظيره الكويتي لحسم التأهل لنصف نهائي بطولة غرب آسيا    اليمن يوقع اتفاقية تفاهم مع الشركة الصينية للطاقة والمعدات الكهربائية    الهجري والأشول يشاركان في فعالية مع نائب رئيس المجلس الصيني لتعزيز التجارة الدولية    سيتعافى الوطن بخروج الديدان من جسده    الحوثي لن يكتفي بالسيطرة على الجنوب.. بل سيعمل على استنزاف السعودية وتهديد أمنها    تعيين سامر فضل مدرباً لمنتخب الناشئين وعلي النونو مساعداً له    الرئيس الزُبيدي يُعزُّي في وفاة مستشار محافظ شبوة الشيخ طالب السليماني    أزمة كبيرة وقع فيها من يُسمون "بالصهاينة العرب"    دائما غالب رجال الدين من الأغنياء وأتباعهم من الفقراء    ويليامز: نحن المنتخب الافضل في اليورو    عدن: الحزام الأمني يُفشل مخططًا إرهابيًا بقبضة من حديد!    قيادي حوثي : "لا مجال للضغط على صنعاء فقد حسمنا أمرنا"    طائرة حوثية مسيّرة تُثير الذعر في أجواء تعز    استون فيلا يضم لاعبا جديدا    لودر: كارثة بيئية تلوح في الأفق مع غرق الشارع الرئيس بمياه الصرف الصحي وتهديد كارثة وبائية    "لم يتبقَّ سوى القمر والشمس لم يقعا بعد تحت أيديهم"..صحفي يسخر من الحوثيين لاختطافهم طيران اليمنية    صدمة كبرى ...مليشيا الحوثي تحتجز جثامين المرضى وتبيعها لعائلاتهم مقابل مبالغ مالية كبيرة    عدن.. مواطن يشكو استمرار حبسه رغم صدور حكم قضائي ببراءته    أول تصريح للمجلس الرئاسي بعد بروز مخاوف من استغلال الحوثيين فتح الطرقات لإسقاط تعز ومارب    صورة التون خوسيه لاعب النصر السعودي السابق وهو يقرأ القرآن الكريم تثير تفاعلا كبيرا    اكبر كذبة في تاريخ الاسلام    تحرك مهم ونوعي قد يقلب الأمور رأسا على عقب.. الحكومة تدعو الصين للتدخل والعودة إلى اليمن    الإرياني يكشف عن تنازلات قدمتها الشرعية قبل اختطاف الطائرات ويحمل المليشيات مسؤولية تعثر نقل آلاف الحجاج العالقين    هيئة بحرية: تلقينا تقريرا عن حادث على بعد 150 ميلا بحريا قبالة الحديدة غربي اليمن    سعر الريال السعودي في عدن وحضرموت اليوم الجمعة 28 يونيو 2024    اعتقال رجل أعمال عقب مداهمة مدرسة أهلية يملكها شمالي عدن    رئيس انتقالي لحج "الحالمي" يُعزّي في وفاة المناضل احمد محمد "حميدان"    الدحابشه يحقنون شعب الجنوب العربي بمواد مسرطنة    "الأنا" والوطن    كارثة تضرب محافظة جنوبي اليمن ومئات المواطنين يتوافدون للمستشفيات وإطلاق مناشدة عاجلة    شاهد ..عشرات النساء اليمنيات يتجولن بالزي الشعبي اليمني بأحد الشوارع الأمريكية (صور)    الفلكي الجوبي: كويكب يقترب من الأرض.. وهذا ما سيحدث يوم غدٍ السبت    قوات دفاع شبوة تنعي استشهاد أحد جنودها الابطال في منطقة المصينعة    وفاة الشخصية الاجتماعية والإدارية "طالب محمد السليماني بعتق بشبوة    صفقة رابحة ....القادسية السعودي يضم قائد ريال مدريد    رعد قاتل يخطف حياة امرأة ويُشعل منزلاً في المحويت!    فضيحة: مليشيا الحوثي تستنزف مياه ذمار لأرباح شخصية    الكشف عن أول تحرك يمني سعودي بشأن الحجاج العالقين بعد اختطاف الحوثي طائرات اليمنية    مأساة في مزرعة تعز: صاعقة رعدية تقتل 52 رأس غنم دفعة واحدة    اختتام دورة الأطباء المؤثرين حول أهمية اللقاحات ضد شلل الأطفال    يشبه المسند اليمني.. السعودية تعلن عن اكتشاف نقوش ثنائية الخط يعود تأريخها للقرن الخامس الميلادي    وقفة مع كلام عبدالرب النقيب    التعليم في حضرموت قبل سنة 1967م (المعهد الفقهي بتريم)    الضالع تلحق الهزائم بالأتراك والزيود قبل 535 عام    طبيبة مشهورة في تعز تفقد حياتها جراء خطأ طبي: النقابة تفتح تحقيقاً وتطالب بالعدالة    احمد بن علوان وكرامة السلالة    الجعفري يشارك بمهرجان لودية الثقافي ويشيد بدور أبنائها بإحياء الموروث الشعبي بالشعيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السياسات القديمة.. والتغييرات المطلوبة
استقلالية وسائل الإعلام العامة


استهلال:
في مواجهة مشكلة مركبة تلوح في الأفق على مر سنوات، فرضت السياسات المتبعة داخل وسائل الإعلام العامة نمطاً من ثقافة التبعية للدولة والحكومة، فرضت نفسها في شؤون المهنة، بأشكال متعددة تسنى لمسؤولين سياسيين كثيرين في الدولة والحكومة وبعض أصحاب المصالح والنفوذ التدخل السافر في عمل الصحفيين والإعلاميين العاملين في هذه المؤسسات؛ فقدت الصحافة مصداقيتها وأفرغت المهنة من جوهرها، إذ أصبحت وظيفة أكثر منها مهنة احترافية، وصار كثير من الصحفيين - إن لم يكن جميعهم - “موظفين حكوميين” حسب ما قاله عبدالرحمن بجاش، مدير التحرير السابق في صحيفة (الثورة) كبرى المؤسسات الصحفية الرسمية في اليمن.
جاء ذلك التوصيف في مداخلة للخبير المرموق في الإعلام الحكومي، في اللقاء التشاوري الأول المنعقد بصنعاء الأسبوع الماضي، حول وضع وسائل الإعلام في المرحلة القادمة..شهد اللقاء أيضاً مناقشات لإعلاميين أصحاب تجارب في الإذاعة والتلفزيون ووكالة الأنباء اليمنية (سبأ)، من أبرزها ما طرحه المذيع التلفزيوني عارف الصرمي في ضوء معلومات عن شخصيات قبلية وبعض من أصحاب النفوذ ورجال المال يرتبون منذ الآن لامتلاك قنوات فضائية في المرحلة المقبلة.
وفيما يبدو هناك فقدان يقين بشأن المستقبل، بالنسبة للوضع الذي ستكون عليه وسائل الإعلام العامة من جهة والوسائل الجديدة المحتمل ظهورها بكثرة لجهة طرف من أصحاب مصالح وثروات ونفوذ.
وفي هذا السياق توجد لدى العديد من الإعلاميين مخاوف حقيقية تتركز حول إمكانية تنظيم وسائل الإعلام - أكانت عامة أو خاصة - في المرحلة المقبلة انطلاقاً من المسار السليم للعمل الصحفي الإعلامي وأخلاقياته وسلوكياته، ووفق قواعد عمل جديدة يتفق عليها.
بعبارة أخرى؛ هناك قلق عميق لمرحلة ما بعد نظام علي عبدالله صالح، من استمرار انتهاك استقلالية وسائل الإعلام العامة وتدخل السياسيين وأصحاب المصالح والنفوذ في شؤون المهنة، وبالتالي تدني فرص حدوث تغيير فعلي في أداء الإعلام الحكومي - إن جاز التعبير - بالتوازي مع مد قادم لما وصفه الصرمي بإعلام الوجاهات، متمثلاً في عدد من القنوات الفضائية الخاصة، يتوقع انطلاقها في وقت قريب لا لتمثل إضافة لإعلام مستقل، وإنما لتمثل مصالح مالكيها وتوجهاتهم، حسب تعبيره.
في حين تتطلب المرحلة القادمة إشاعة ثقافة الحرية عبر الإعلام وتجذير أسس مجتمع ديمقراطي تلعب فيه وسائل الإعلام - لاسيما الممولة من المال العام - دوراً أساسياً، لا ينذر المستقبل بأمور جيدة، واقع أن نرى التغييرات المفترضة تحصل قد لا يتحقق في الفترة الانتقالية وما بعدها بالصورة التي يأملها الصحفيون والإعلاميون والجمهور العام.
وفقاً للمتغيرات هذا هو الوقت الملائم للبدء في إصلاح الإعلام المملوك للدولة والشروع في عمليات تأهيله سعياً لهدف استراتيجي لا يمكن القفز عليه في أية سياسات وأنظمة قادمة، ذلك الهدف هو تحقيق الاستقلال التام للإعلام عن سيطرة الحكومة والقوى السياسية، والقاعدة الأساسية لا ديمقراطية دون صحافة حرة.
التحدي الأبرز الذي يواجه معشر الصحفيين والإعلاميين: استمرار واقع قديم على أوضاعه وممارساته بصيغة أو بأخرى بحيث لا تتغير فعلياً الأوضاع التي تسنى فيها للسلطة والحكومة إساءة استعمال وسائل الإعلام العامة لخدمة مصالحهم وأغراضهم واستخدامها في صراعاتهم، أو تحدي فرض وضعاً جديداً يقرره الصحفيون والإعلاميون بأنفسهم، ويفرضونه بحيث تتوفر مع الوقت الحماية اللازمة لوسائل الإعلام العامة من تدخل الدولة والحكومة وأصحاب المصالح، ولكي تتحسن أجواء ممارسة العمل في مؤسسات الإعلام العامة حسب قواعد عمل جديدة أساسها ومهمتها الجوهرية خدمة الصالح العام.
الفرصة المواتية في المشكلة واستغلالها الأمثل:
أمام المخاوف المنطقية المعبر عنها في أوساط الإعلاميين، تبرز فرصة سانحة - فيما يبدو - مشكلة ذات وجهين، يخشى أن تكون لها انعكاسات سلبية بشكل أو بآخر على استقلالية وسائل الإعلام العامة في المرحلة القادمة، مما يعني إعاقات أمام حرية الإعلام الحكومي على طريق المستقبل القريب، مشكلة لها وجهان تبدو كالآتي:
- وجه يمثله أصحاب ثروات ونفوذ شرعوا في تدابير لامتلاك وسائل إعلامية في مشاريع قنوات تلفزيونية وصحف، كنوع من ترتيباتهم الخاصة للمستقبل وما تتطلبه مصالحهم في المرحلة الجديدة؛ والنتيجة كما يتوقعها عدد من الإعلاميين: ظهور عدد من وسائل الإعلام الخاصة تمثل مصالح مالكيها وتوجهاتهم وأهدافهم، يكمن جانب من الخطر الذي يمكن أن يقع على المجتمع في سوء استغلال هذه الوسائل من قبل المالكين للتأثير على الحكومة فيما يخدم مصالحهم فقط.
- الوجه الآخر تمثله القوى السياسية وفي طليعتها القوى المرشحة لتولي زمام قيادة الدولة في المرحلة القادمة ومواقفها المتباينة سابقاً والمحتملة مستقبلاً حيال قضايا الصحافة والإعلام، وأهمها استقلالية وسائل الإعلام العامة.
واقع الأمر هناك ما يدعو للقلق؛ لأن علاقة كل من الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة بالصحافة والإعلام لم تكن جيدة في أي وقت، القيادات الحزبية في السلطة والمعارضة غالباً تعاملت باستعلاء وعجرفة مع الصحافة والإعلام من منطلق ينظر إلى الصحفيين والإعلاميين في الصحف ووسائل الإعلام التابعة لكل طرف كتابعين وموظفين.. تدخل السياسيين في شؤون المهنة يكاد يكون قاسماً تاريخياً مشتركاً بين حزب السلطة وأحزاب المعارضة.
وعلى الرغم من بعض أطروحات المعارضة بشأن وسائل الإعلام العامة وسوء استغلال السلطة الحاكمة لها، وهو أمر واقع لا يعدو ذلك كونه أقوالاً مستخدمة لأغراض الصراع السياسي؛ لأنه حتى أحزاب المعارضة لا تملك موقفاً محترماً من التعامل مع صحفها الصادرة عنها أو مواقف تحسب لها في أسلوب التعامل مع الصحفيين العاملين لدى صحفها.
باختصار، لدى الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة سجل سيئ وبغيض من التدخل في شؤون الصحافة.. من حيث المبدأ لا يوجد في تصرفات قادة الأحزاب ما يدل على وجود احترام لمبدأ استقلالية وسائل الإعلام.
لهذا رأينا أنه خلال الأداء العام لأحزاب السلطة والمعارضة طوال الأشهر الأربعة الماضية، وما تخللها من ظهور مبادرات كثيرة لم تتضمن أياً منها ما ينص على ضرورة استقلالية وسائل الإعلام العامة وحرية الصحافة باعتبارها ضرورة وشرطاً أساسياً لقيام مجتمع ديمقراطي حقيقي.
بالرغم أن رياح التغيير التي يشهدها اليمن والخصوصية التي تتمتع بها الثورة الشعبية في اليمن، تصب في خانة إرادة شعبية وحّدت اليمنيين حول هدف واحد: تحقيق دولة مدنية تتجذر فيها الديمقراطية، ووجود إعلام وصحافة حرة تتمتع بالاستقلالية يعد شرطاً أساسياً، أمر تدركه مختلف القوى السياسية لكنها تعاملت مع الأمر بلامبالاة، استناداً إلى أن هذا الشرط لم يتم تضمينه في أي من المبادرات التي توالى طرحها على طاولة الحوار خلال الفترة الماضية.
وبناءً على ما سبق: مخاوف الإعلاميين من المستقبل مبررة، التغييرات المطلوبة بضمنها استقلالية وسائل الإعلام العامة تبدو هدفاً بعيد المنال في مرحلة ما بعد نظام صالح.. في أحسن الأحوال من المتوقع أن نشهد تغييرات في المرحلة الانتقالية أو بعدها، لكنها لن تكون جوهرية؛ لأن إرادة التغيير في مجال الإعلام واضح أنها مفقودة لدى قوى سياسية تحكمها عقليات قديمة تنطلق من مواقف عتيقة مسبقة وسلبية من شأنها أن تصبح صانعة القرار في المستقبل.
التدخل من جانب الدولة والقوى السياسية سيستمر والمزيد من وسائل الإعلام المملوكة لأصحاب النفوذ، والنتيجة مزيد من الصحافة والإعلام المتحيز لهذا الطرف أو ذاك، إلى حد أن التعرف على إعلام وصحافة حرة تمثل الصالح العام يصبح خارج المعادلة.
بناء على كل ما سبق: تبرز فرصة كبيرة في المشكلة المركبة، هي أن وسائل الإعلام العامة - على ضوء المتغيرات الجديدة في اليمن - تلوح أفضل خيار ذي قابلية كبيرة للإصلاح، يتيح فرصة نادرة لتصحيح مسار الإعلام الحكومي، بحيث يصبح وسيلة إعلامية فعالة تعبر عن المصالح العامة، وتلعب دوراً مؤثراً في ضمان قيام مجتمع مدني ديمقراطي، إذا وإذا فقط أمكن للإعلاميين والصحفيين فرض واقع جديد.
ثلاثة متطلبات أساسية لفرض واقع جديد:
1 - الجاهزية للتغيير: جاهزية وسائل الإعلام العامة للتغيير المطلوب، والمقصود مدى استعداد الكادر الإعلامي العامل في هذه المؤسسات التعاطي مع التغييرات الواجب إدخالها في منظومة العمل اليومي وسياسات المؤسسات والانخراط في جهد منظم وفعال يفرض دورهم في تقرير وضع جديد لمؤسساتهم يكفل قدراً عملياً من الاستقلالية.
2 - جاهزية القوى السياسية لتقبل حق الإعلاميين والصحفيين في تقرير واقع جديد للعمل الإعلامي والصحفي باستقلالية وحرية ومسؤولية، دون تدخل من جانبهم.
3 - إمكانية تحويل استقلالية وسائل الإعلام العامة إلى قضية رأي عام وطرحها على بساط النقاش في نطاق واسع.
خطة عمل ل 60 يوماً:
في ضوء المتطلبات الثلاثة، تأتي خطة العمل هذه، وهي تقترح مجموعة متناسقة من الفعاليات، تستهدف ثلاث فئات: الكادر الإعلامي في المؤسسات الإعلامية العامة وفي المؤسسات والصحف الأخرى، القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني، جمهور عام، تتركز فعاليات برنامج خطة العمل في نطاق ثلاثة أهداف خلال مدة شهرين، وعلى النحو التالي:
الهدف الأول:
توعية وتثقيف وتعبئة الكادر الإعلامي في المؤسسات الإعلامية العامة لإحداث التغييرات المطلوبة.
الهدف الثاني:
تهيئة مسبقة في الأوساط السياسية والمدنية لتحقيق الاستجابة المأمولة في الفترة الانتقالية أو التقليل من أي إعاقات محتملة للتغييرات المطلوبة إلى أدنى حد.
الهدف الثالث:
حملة إعلامية تمثل توعية عامة لتحويل موضوع استقلالية وسائل الإعلام العامة إلى قضية رأي عام ومطلب جماهيري على أساس ضمان إعلام عام في خدمة القضايا العامة كضرورة أساسية من ضرورات المرحلة القادمة، يسلط الضوء على أهمية تأهيل وسائل الإعلام العام لتمثل مصالح الشعب بكل فئاته وأطرافه، وتكون فوق مستوى الاستغلال من جانب الدولة أو القوى السياسية أو أصحاب النفوذ.
عرض أولي خطوط عريضة للسياسات القديمة والتغييرات المطلوبة
سياسات قديمة:
حسب قاموس اللغة الإنجليزية، مصطلح سياسات يعني” مسار محدد أو طريقة عمل من بين بدائل على ضوء ظروف محددة؛ بهدف التوصل للقرارات أو خطة شاملة تعانق الأهداف العامة والإجراءات المقبولة لاسيما تلك الخاصة بإحدى الهيئات الحاكمة.
في مرحلة ماضية حاولت لجنة شكلت من إعلاميين وصحفيين من وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) ومن صحف رسمية ومؤسسة الإذاعة والتلفزيون صياغة مسودة سياسات عامة مكتوبة لوسائل الإعلام العامة، لكنها تلاشت بعد اجتماع أو اجتماعين.
واقع الأمر من غير المرغوب فيه بالنسبة للنظام تدخل الصحفيين والإعلاميين في صنع السياسات واتخاذ القرارات المتعلقة بمهنة الصحافة والإعلام الرسمي.. من خلال النقاشات مع صحفيين وإعلاميين يعملون من سنوات طويلة في وسائل إعلامية عامة، تتمحور كثير من الأفكار حول طريقة عمل يفرضها النظام على الإعلام الرسمي، يمكن الإشارة إليها كسياسات خصت نظام الرئيس صالح؛ وحتى اللحظة مصدر القرار النافذ في شؤون الإعلامية بالدولة رئاسة الجمهورية.
فيما يلي بعض الخطوط والأفكار التي شكلت مسارات محددة وطريقة عمل وسائل الإعلام العامة في الحقبة الماضية، لمحة سريعة:
1 - تحريف مهمة الصحافة والإعلام الرسمي وتشويه رسالتها: “مهمتكم الرد على المعارضة والتصدي لخطابها”.
فرض النظام ثقافة مخلة بمهنة الصحافة، سرت سياسة معمولاً بها داخل المؤسسات الإعلامية الرسمية، ولم تكن أفكار الرئيس على رأس النظام التي حددت كيف تعمل وسائل الإعلام العامة (مهمتها الأساسية) محل جدل أو نقاش، وعلى سبيل المثال دأب رؤساء المؤسسات الإعلامية المملوكة للحكومة العمل على ضوء إحدى أفكار الرئيس القائلة: إن مهمة الإعلام الرسمي الرد على المعارضة، وكثيراً تعرض رؤساء ومسؤولي الوسائل الإعلامية الرسمية للتوبيخ والتقريع من قبل رموز النظام حين لا يقومون بواجبهم - من وجهة نظر النظام - في التصدي للمعارضة ولأي خطاب مناوئ للرئيس ونظامه.
2 - تكريس سياسات التبعية وثقافة الولاء الوظيفي للسلطة:
ترتب على معيار الولاء الذي فرضه النظام في المؤسسات الإعلامية العامة كما في مؤسسات الدولة، ممارسات إقصاء وتهميش بحق الصحفيين والإعلاميين، ممن يبدون نزعة للاستقلالية ويتعرضون لمضايقات وتعسفات بسبب مواقفهم؛ بالمقابل أدى إلى اختلال في المؤسسات إذ جاء بمسؤولين محدودي الكفاءة إنما موالين للنظام تمكنوا من التدرج بسرعة في المناصب القيادية غالبيتهم غير مؤهلين للمناصب التي يشغلونها.
3 - تعدد الجهات التي تمارس تدخلاً في شؤون المهنة: تصحيح مفهوم سائد.
إحدى المشكلات التي تم بحثها في اللقاء التشاوري الماضي، حيث تحدثت المذيعة في الفضائية اليمنية عن وجود أكثر من مسؤول حكومي من أكثر من جهة يصدرون أوامرهم للمذيعين، إنها مشكلة حقيقية لا كما تم طرحها من حيث تعدد الجهات التي تصدر الأوامر للإعلاميين وإنما لعدم مشروعية تدخل المسؤولين الحكوميين في عمل الإعلاميين والصحفيين، ومما يجب الحرص على إشاعته في أوساطهم هو حق الصحفي والإعلامي في تقرير كيف يؤدي عمله بمهنية ومسؤوليته أمام مديره المباشر.
وثيقة إرشادية للمستقبل حول السياسات القديمة: أهمية بلورة وثيقة إرشادية بانتهاكات النظام لاستقلالية وسائل الإعلام العامة حتى لا تتكرر:
يزخر الواقع اليومي الذي يعيشه عشرات الصحفيين والإعلاميين العاملين في المؤسسات الإعلامية العامة بممارسات مجحفة بحقهم من جانب مسؤولين في الدولة أو أصحاب نفوذ ومصالح، ويؤدي ذلك للحد من حق الصحفيين في أداء عملهم بحرية دون تعرضهم للأذى أو التهديد أو الفصل التعسفي.
من أبسط الحالات التي تذكر في هذا الإطار، ما يرويه مسؤول سابق في إدارة الأخبار بوكالة “سبأ” في إحدى المرات نشرنا خبراً عن فعالية شارك فيها وزير الإعلام، وقد ذكر اسمه بعد أسماء عدد من الوزراء، وقد أثار ذلك حفيظة الوزير الذي اتصل بنا في الوكالة يأمر بفصل المحرر الذي كتب الخبر.”هذه حالة من حالات كثيرة تعبر عن الظروف الصعبة التي يعمل فيها الصحفيون والإعلاميون في الإعلام الرسمي، وضع تنعدم فيه شروط الاستقلالية، حداً يستدعي ضرورة تنظيم تحرك جماعي لإصلاح الوضع ذاتياً، ومن المهم في هذا الإطار بلورة وثيقة بالممارسات الخاطئة للنظام في تعامله مع الإعلام الرسمي لتكون دليلاً إرشادياً للصحفيين والإعلاميين في المرحلة المقبلة بهدف التوعية والتثقيف تعزز يقظة الصحفيين للممارسات التي تمثل تدخلاً في شؤون المهنة وانتهاكاً لاستقلالية وسائل الإعلام.
لائحة التغييرات المطلوبة:
7 تغييرات هامة وآلية واحدة لتحقيقها:
تغييرات سريعة ممكنة بقرار سياسي من الحكومة المؤقتة خلال المرحلة الانتقالية:
يمكن أن تتحقق بآلية مشتركة: دعم تكوين جماعة أو جماعات ضغط من الناشطين الإعلاميين في المؤسسات الإعلامية العامة ومن خارجها، لبلورة وتطوير أنشطة إعلامية وفعاليات من شأنها ممارسة ضغط على الحكومة القادمة لتحقيق الأهداف والتغيرات التالية:
1 - إلغاء وزارة الإعلام واستبدالها بمجلس أعلى للصحافة:
مجلس جديد بمهام واختصاصات جديدة تحمي حرية الصحافة وحرية التعبير، وتلغي كافة القيود على حرية امتلاك القنوات والوسائل الإعلامية، كما تلغي كافة القيود التي كانت مفروضة وأعطت سلطات وصلاحيات غير مشروعة لوزارة الإعلام على الإعلام الرسمي، ما ترتب عليه تقلص استقلالية الإعلام الرسمي إلى أدنى مستوى.
2 - إلغاء التعيين بقرار سياسي لرؤساء المؤسسات الإعلامية العامة:
الهدف من هذا التغيير انتزاع قرار سريع من الحكومة يؤكد على التزامها بمبدأ استقلالية وسائل الإعلام، المقترح الذي تمت مناقشته في اللقاء التشاوري الماضي إحالة موضوع التعيين إلى لجنة خاصة تشكل من خبراء إعلاميين وقانونيين يقرون أفضل آلية سليمة ممكنة.
المقترح يطرح أن يكون التعيين لرئاسة المؤسسات الإعلامية العامة من صلاحيات المجلس الأعلى للصحافة بناء على ترشيحات من داخل المؤسسة، حسب معايير الكفاءة والأهلية يتم الاتفاق عليها، ثم تقدم إلى البرلمان للمصادقة على قرار التعيين وإقرار أفضل الترشيحات.
آلية دعم تشكيل جماعة ضغط من الناشطين المهتمين في المؤسسات الإعلامية العامة ومن خارجها للقيام بأنشطة إعلامية تصب في إطار الضغط على الحكومة بهدف اتخاذها قراراً سياسياً، ينص صراحة على التزامها بمبدأ استقلالية وسائل الإعلام العامة، وبموجب ذلك تعلن الحكومة إلغاء التعيين بقرار سياسي للمناصب العليا في المؤسسات الإعلامية العامة.
3 - الاستقلالية المالية.. إمكانية تعزيز مناعة الإعلام الرسمي ضد تدخل الحكومة مع استمرار التمويل الحكومي لعدم توفر بدائل أخرى ممكنة:
تحتاج المؤسسات الإعلامية العامة الوقت للوصول إلى اعتماد ذاتي على موارد متأتية من الإعلان والاشتراكات.. إن القول بضرورة إنهاء اعتمادها على ميزانيات سنوية من الدولة غير موضوعي، بالرغم أن الاستقلالية المالية شرط أساسي لاستقلالية وسائل الإعلام العامة.
من الموضوعية استمرار التمويل الحكومي للمؤسسات الإعلامية العامة مع ضرورة تكريس برنامج تدريبي مخصص للعاملين في هذه الوسائل يتضمن في أولوياته توعية وتثقيف الكادر بالواجبات المهنية لوسائل الإعلام الممولة من المال العام وأبرزها خدمة الصالح العام والتأكد من أن الأعمال العامة على مختلف مستويات الحكومة تدار بصورة علنية، وتعزيز مناعة الكادر القيادي والإعلامي في المؤسسات ضد سوء استخدام وسائلهم من جانب أي سلطات وكل من يستغل الصحافة في هذه المؤسسات لأغراض خاصة.
4 - ملكية وسائل الإعلام العامة.. محاكاة النموذج المغربي أو اللبناني:
يتعلق هذا المقترح الذي تمت مناقشته بإمكانية تحول ملكية وسائل الإعلام العامة من الملكية الكاملة للدولة إلى ملكية مشتركة للدولة والإعلاميين وحصة للاكتتاب العام.
يبدو الوقت كفيلاً بتقرير ذلك من خلال نشاط مشترك بين الحكومات القادمة والنقابة والأطر النقابية والقيادية في المؤسسات الإعلامية العامة، ويتطلب ذلك بذل مجهود مشترك من كل الأطراف لاختيار طريقة ملائمة من بين مجموعة بدائل.
5 - معالجة سريعة لنظام المكافآت وحوافز العمل:
تحسين معيشة الكادر الإعلامي العامل في وسائل الإعلام العامة شرط أساسي لتحقيق الاستقلالية، ويمكن القول: إن الكادر الصحفي الذي هو محل جدل بين الحكومة والصحفيين في وسائل الإعلام الرسمية ومعهم النقابة لسنوات، سيظل أمراً بعيداً عن التحقق خلال المرحلة الانتقالية.
على أن المطالبة بتغيير سريع في نظام المكافآت وحوافز العمل الذي يعد مجحفاً في المؤسسات الإعلامية العامة هو هدف يمكن تحقيقه خلال المرحلة الانتقالية.. وهناك ما يشير إلى أن السبب الأساسي وراء أدنى نظام مكافآت وحوافز تعمل به المؤسسات الإعلامية العامة لا يعود إلى قلة موارد وإنما إلى الفساد وسوء إنفاق موارد المؤسسات العامة لأغراض أنانية وخاصة بقيادات في المؤسسات وأحياناً لصالح أشخاص من خارج تلك المؤسسات.
6 - برنامج تدريب مخصص لمرحلة جديدة على ضوء المتغيرات:
لجعل وسائل الإعلام العامة أكثر كفاءة واتساعاً لنشر الأخبار والآراء والأفكار لمختلف شرائح المجتمع وكل القوى السياسية.
7 - تدشين عملية إعادة تنظيم ذاتي في مؤسسات الإعلام العامة بهدف تحسين جودة الإدارة، تشمل تغييراً في قيادة وإدارات كل مؤسسة على أساس الكفاءة والأهلية، سيشكل خطوة هامة لاستقلالية وسائل الإعلام العامة، استعادة هذه المؤسسات لحقها المشروع في اختيار قياداتها داخلياً بالانتخاب، وفق ضوابط ومعايير تنظم العملية الديمقراطية داخل كل مؤسسة، هذا الهدف يمكن تحقيقه في الفترة الانتقالية، ويجب التمهيد لذلك من خلال فعاليات إعلامية بهدف التوعية..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.