تتجه منظمات محلية ودولية معنية بمكافحة الفساد إلى تعزيز قدرات الشباب اليمني في هذا المجال، في مسعى منها إلى تكثيف الجهود الرامية لكبح جماح هذه الظاهرة السيئة في بلد يعاني من محدودية الموارد وضعف المؤسسات. بيد أن عقبات لا تزال تقف أمام نجاح هذا التوجه، لعل أبرزها شيوع الإحباط في أوساط الشباب وضعف الإيمان بإمكان التغيير، في وقت يسود الاعتقاد أن الفساد صار ثقافة مجتمعية لا يقتصر على جهاز الدولة فحسب بل يمتد إلى المؤسسات الحزبية ومنظمات المجتمع المدني، وبات مكوناً من مكونات السلوك العام. وأعلن الأسبوع الماضي عما سُمي ب «الوثيقة الشبابية الخاصة بمكافحة الفساد» في إختتام دورة تدريبية خاصة بمكافحة الفساد نظمها في صنعاء «مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان» (HRITC)، وتلقى خلالها 30 شابة وشاباً تدريبات حول الفساد وأنواعه وآليات مكافحته والأجهزة الدولية والمحلية لمكافحته ومهارات الإبلاغ عن حصوله وتوثيق الوقائع والحملات ولوبي الضغط . وتهدف الوثيقة إلى تعزيز قدرات الشباب في مجال مكافحة الفساد ونشر الوعي بمخاطره وآثاره المدمرة للمجتمع، والتنسيق والتعاون مع مختلف الجهات والمؤسسات والمنظمات ذات العلاقة، والعمل على ايجاد تكتلات وتحالفات شبابية يكون لها دور في رصد الفساد وملاحقة الفاسدين. وتُعدّ الدورة النشاط الأول في البرنامج الإقليمي لمكافحة الفساد (فريق المادة 13)، الذي يقوده مركز المعلومات والتأهيل بالتعاون مع البرنامج الإقليمي لناشطي حقوق الإنسان في مصر والجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية، وبدعم من مبادرة الشراكة الشرق أوسطية ومعهد بايستر. وافاد مصدر في مركز المعلومات والتأهيل (مقره اليمن) بأن دورات مماثلة ستنظم في عدن ومحافظات أخرى، كما ستشكّل لجان شبابية في خمس محافظات تهتم برصد المخالفات وتقديم تقارير عنها إلى الجهات المعنية أو إلى القضاء والإعلام أو الهيئة العليا لمكافحة الفساد. غير أن هناك من يقلل من قدرة هذه المبادرات على النهوض بدور حقيقي في الحدّ من الفساد المتنامي يوماً بعد يوم. ويرى مفيد عقلان(33 سنة) أن من السابق لأوانه الحديث عن تأثير ايجابي لمثل هذا البرنامج، مشيراً إلى أن أساليب التوعية تبقى غير ذات فاعلية وغير قادرة على إحداث تغيير بسبب شلل الأجهزة الرقابية المنتخبة والمعينة وعجزها، «هذا اذا لم تكن ضالعة في الفساد». ولا تزال مشاكل البطالة والمحسوبية وانتشار الفقر واتساع الهوة بين أقلية تحوز الجزء الأعظم من الثروة وأكثرية تعاني العوز وتقع تحت خط الفقر، سبباً رئيساً في ترسيخ ثقافة الفساد. وتقول صباح ياسين (27 سنة) إن الإنغماس في الفساد بات مطمحاً لمعظم شباب اليمن، موضحة أن بعض الخريجين الجامعيين بات يضطر إلى دفع رشى تصل الى مليون ريال للحصول على وظيفة، لا سيما إذا كانت في جهات ايرادية مثل الجمارك والضرائب. ويسعى هؤلاء الى بلوغ المستوى الاقتصادي ذاته الذي باتت عليه فئات حديثة النعمة صعدت اجتماعياً من طريق الثراء غير المشروع. واعتبرت ياسين أن تعطيل قوانين الرقابة والمحاسبة وتحول الوظيفة العامة إلى غنيمة وتقاسم حزبي وقبائلي، جعل الفساد نموذجاً يحتذى لشبان كثر. ويعترف عضو الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد عز الدين سعيد الأصبحي بوجود صعوبات أمام هذا التوجه الإصلاحي، ويقول: «صحيح أن ثمة فساداً في القضاء وجهاز الدولة كما لا يزال الإعلام جباناً، بيد أن هذا لا يمنع من محاولة تحريك هذا الواقع والخروج به من دائرة السلبية». مشيراً إلى أن من شأن حفز وعي هذه الشريحة منع انزلاقها ووضع قضية الفساد في دائرة الضوء والاهتمام العام. وشرع شبان أخيراً في تأسيس جمعيات تعنى بمكافحة الفساد والتوعية من مخاطره. لكن ياسين لا تخفي مخاوفها من أن تكون مثل هذه الجمعيات غير بعيدة من مسعى الكسب والحصول على الدعم والتمويل وهو الهدف الذي قاد إلى تكاثر لافت في عدد المنظمات غير الحكومية حسبما لاحظ بحاثة ودارسون.