يتساءل ويتصارخ العرب وفي كثير من الامتعاض والشجب والإدانة و«القلق».. لمقتل ثلاثة دارسين سوريين “شادي ويسرى وروزان” في ولاية كارولينا الأمريكية قبل أيام.. وقبلهم طالبة سعودية وهي “ناهد المانع” في بريطانيا.. وقبلهم ما قبلهم.. مع أنها أحداث “عرضية”.. ولكن وبكل وقاحة نجد من يتساءل: لماذا وعن أي ذنب قُتلوا؟، وغيرها من التساؤلات عبر الفضائيات وغيرها.. هذا وهم مجرد طلاب دارسين هناك.. ألا يجدر بكم التساؤل والتباكي عن من هم أهم؟.. مثلاً قبل ثلاثة أشهر تصوّروا مقتل عالم نووي “يمني” مقيم في أمريكا ويعمل في وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا” وعقد العلماء الأمريكان في تثبيت “المسبار” في الفضاء.. تعرض إلى حادث سير في أحد شوارع واشنطن.. ومن أمثاله أرقام لاتنتهي من “العقول المهاجرة” والعباقرة والأيادي الماهرة والأموال والشركات العربية العملاقة ومشاريعها واستثماراتها في بلاد الغرب.. ألا يجدر إذاً التباكي لمثلهم.. كيف قُتل ولماذا؟ أو بالأحرى لماذا هم أصلاً هناك.. ويعملون في بلدان غير بلدانهم؟.. يعملون على تقنيات ورقي وتطور ونهضة بلدان أخرى بينما بلدانهم “متأخرة ومتخلفة”. وإذا كانت الأسباب معروفة وجلية للجميع سلفاً عن تواجدهم هناك وهجراتهم.. أليس من الواجب البحث والعمل على طي صفحة الأسباب هذه وتهيئة الأجواء لعودة ولو “القليل من بعضهم”، والحفاظ على من هم في طريقهم إلى تلك الهجرات ولا زالوا صامدين وجامدين في أماكنهم وأوطانهم.. وأسوق إليكم أمثلة أخرى من هذه العقول.. قبل مسافة من السنوات طبيب يمني يُجري عملية قلب مفتوح وفي الطائرة بالجو، لم يتم تمكينه من لمس “المشرط” في بلده.. وعاد أدراجه إلى ألمانيا والعمل فيها برغم أنه كان قد رفض العرض سلفاً.. ومع هذا يقود حملات مكوكية مع فريق طبي ألماني لإجراء العمليات في اليمن كل عام “؟؟!” وهذا لأن عراقة الانتماء وحب الوطن تسكن في قلوب مثل هؤلاء فقط.. وقبل سنوات أيضاً طفل يمني من “لحج” موهبة ومعجزة خارقة في الذكاء يتبناه الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلنتون.. وهذه مجرد قطرة في بحر من هم في بلاد الاغتراب.. وليس باليمن بل والعالم العربي. وأعود إلى الطلاب المغدور بهم وآخرين يتلقون العلم في بلاد العالم.. هل كان من الضروري أن يطلبوا العلم في تلك البلاد؟، وماهي أدوار الحكومات التي أرسلتهم سواءً في توفير الأجواء الآمنة لمتابعة تعليمهم هناك؟ إذا كان ذلك العلم الذي سيتلقونه ضرورياً ونادراً أو توفير وجلب وتهيئة تلك الإمكانات العلمية والتعليمية عوضاً عن العناء والتعب والجهد والسفر والتكاليف.. وفي النهاية خسران “الجر والمجر والمجرور” بسبب بعض الأفعال والأجواء العنصرية التي تطفو بين الفينة والأخرى في بلاد الغربة سواءً كانت لأسباب ردات لأفعال “نفر” من الناس الأغبياء أو المجندين لمثل هذه الأعمال والأغراض والأحداث والمواقف أو لأسباب لحظية ومزاجية وتطرفية. وإنتاجاً لتداعيات وأجواء وتباينات ولإفرازات السياسات أو لنقل الأجواء السياسية المتقلبة هنا وهناك أو العكس.. فتؤول على إثرها مثل هذه التصرفات “الفردية” أحياناً تجاه العرب والمسلمين لدى الغربيين شعوباً أو أفراداً أو جماعات متطرفة. وحتى السياسيين أنفسهم في دول الغرب أحياناً تروق لهم مثل هذه الأعمال سياسياً فيوظفونها في دعاياتهم وحملاتهم الانتخابية والأمثلة كثيرة.. وأحياناً تجدهم خلف سيناريوهات من هذه الأفعال والأعمال والتصرفات وسوف نجد ذلك جلياً وساطعاً في تسريبات “ويكيليكس” وغيرها من التسريبات والويليكليكسات متى ما أراد ذلك في البحث والمعرفة.. فكل شيء من مثل وسبر هذه الأغوار واردة وموجودة ومحتمل ماهو أكثر وأبعد من ذلك ومعقول إلى أبعد الحدود من التصور فلا غرابة.. وبعيداً عن بواعث ودواعي “القواعد والدواعش” وأعمالهما في الأراضي العربية. ومع ذلك فلا قلق ولا خوف على تلك الطيور المهاجرة بألوانها وأشكالها وأحجامها وتحليقاتها وطيرانها وركضها في دول وفضاءات أولئك الغربيين.. فهم أكثر رقياً وتحضراً وإنسانية وفهماً وتقديراً منا لهم ويهمونهم أبعد من مجرد تفكيرنا بهم أو ذكرنا لهم. وأسوق أيضاً مثالاً.. قبل بضعة أيام وبعد حادثة الصحيفة الفرنسية “شارلي أيبدو” حدث أن أقدم دكتور في قاعة محاضرات في مؤسسة فرنسية لتعليم المحاماة بخلع معظم ثيابه أمام “طالبة عربية” محجبة اعتراضاً على لبسها الحجاب وربما أشياء أخرى.. ولكن جميع زملائها الفرنسيين تضامنوا معها ضد تصرفات الدكتور الجامعي واعتذر لها مدير الأكاديمية عن الحادثة، ومثالية لمعنى فهم الآخر وخصوصيته لديهم, ونحن حينما نسائلهم أو نستفسرهم عن دواعي وبواعث بضع من حالات من القتل أو المضايقات.. وقد يبرر أحدهم أن ذلك من أجل مئات الآلاف والملايين هناك.. منهم دبلوماسيون ورجال مهمون ودارسات ودارسون.. وغيرها من المسميات بأطيافهم وعلومهم وأراضيهم في كل بقاع وزوايا العالم.. فماذا سيتبادر في أذهاننا كعرب ومسلمين؟.. نسأل عن ثلاثة سوريين قُتلوا في أمريكا بينما 4 أفراد من أسرة واحدة سورية منهم أطفال ماتوا بسبب شدة البرد والصقيع على الحدود الأردنية قبل أسابيع، فماذا وكيف هي مواقفنا .. حين يصرخوا “هم” في وجوهنا أولئك الغربيون “الكفرة” القتلة المارقون في نظرنا.. قائلين لنا: تتهكمون علينا وتتباكون لمقتل بضعة أشخاص في أراضينا ببعض من أيادينا.؟. فماذا عن مئات الآلاف الذين يُقتلون بأبشع الطرق والأساليب الخارجة عن النطاقات والتغطيات الإنسانية وبدماء ثالجة في ديارهم ومدنهم وشوارعهم، في أراضيكم وبلدانكم أنتم وعلى أياديكم أنتم “ياعرب”؟. وماذا عن الملايين من الأسر المشردة والمشتتة في البقاع والأزقة والوديان وفي الكهوف والصحارى البعيدة؟.. ومتسولين في بلاد أخرى ومضطهدين.. ومنهم يموتون كل يوم وبمئات الآلاف التي وصلت أرقامهم قتلاً وجوعاً وصقيعاً.. ومنهم هاربون بجلودهم من الموت “عندكم” ياعرب..، هاربون من صناعات الحروب والاقتتال الدائر في عروقكم وجلابيبكم ومدنكم وبلادكم أنتم.. وأشياء أخرى نعرفها جيداً كما نعرفكم ياعرب. وماذا عن ديار شعوبكم ومدنكم المدمرة والمطحونة “بوقت قصير” بحروبكم وأياديكم أنتم؟.. إذن فما هي إجاباتكم وتساؤلاتكم “ياعرب”..؟!