عندما يشكو إليك ولدك ألماً حل به.. ويكرر لك الشكوى مستعطفاً نوازعك الأبوية بشكل ملح..، ولكنه يصطدم بصخرة اللامبالاة العاتية في عينيك وليس هذا ديدنك.. فلابد وأنك قد تذوقت شيئاً من أكاذيبه البيضاء في حينٍ ما من أحيان حياتك..! عندما يوافيك من حولك بحدث عائلي مثير ، وتحاول جاهداً التفاعل معهم ولكن دون جدوى..فلابد وأنك قد بذلت الكثير من وقتك واهتمامك في سبيلهم ، وفي اليوم الذي لم تجد فيه سبيلاً للمرور إلا من دربهم سدوه أمامك ..! عندما تقبع على كرسيك في الاجتماع الذي دعا إليه مديرك ، ويأخذ هو في الاسترسال في رسم الخطط المستقبلية للعمل، ويمّنيك بالترقيات والزيادات والعلاوات..ولا تجد في نفسك بصيص نور يشع بالأمل والتفاؤل..فلابد وأنك قد تحصنت بالقدر الكافي من جرع الوعود والأماني الزئبقية في مواسم انتخابية متكررة..! عندما يحترق من حولك لهيباً وحماسةً ، كلٌ من أجل فريقه المفضل أو لاعبه المميز..وتجد نفسك خارج نطاق تغطية الحدث..فلابد وأنك ولوقتٍ طويل قد أحرقت جزءاً كبيراً من طاقتك وحماستك في تشجيع منتخبنا الوطني البطل ..! عندما لا تعنيك فتاوى العلماء ولا إرشادات المصلحين .. فاعلم أنك كنت تسترشد بفتاوى الثعالب لفترة ما من حياتك ..! أما عندما لا تصدمك خيانة عزيز ، ولا قسوة خصم غريب..، عندما يتساوى لديك غدر الصديق وجرح العدو..، عندما لا تطعم لذة الانتصار ، ولا مرارة الهزيمة.. عندما تتوحد لديك الألوان والأذواق والروائح.. عندما تتناسخ الصور في وعيك ولا وعيك .. عندما تجلس أمام شاشة التلفاز ، وتقرأ في شريطه الإخباري : انفجار .. اغتيال .. مقتل .. اشتباكات مسلحة .. إلقاء القبض على .. هروب سجناء .. سقوط صاروخ .. ضربات جوية .. كمين مسلح.. مظاهرات .. احتجاجات .. ولا يتحرك فيك ساكن..! عندما تفقد الشعور بالألم وأنت في صميم المعاناة ..، عندما تتساوى عندك معاني الصدق والكذب ، ليصل الكذب حد الصدق ..! عندما يسقط العلو ، ولا يعلو بعده شيء..! وعندما تصافح الأمانة الخيانة .. وعندما تتحاور الفضيلة والرذيلة حواراً وطنياً عال المستوي..ولا تصدمك الفكرة..! عندها فقط فلابد وأنك واحدٌ من ملايين البشر الذين عاشوا أكبر أكذوبة في حياتهم ..! لابد أنك واحدٌ من ملايين البشر الذين رسموا لوحةً زاهية ، تموج بالحياة والأمل ، ولكن سرعان ما أتت عليها أياد النفاق فأفسدتها .. لابد وأنك واحدٌ من ملايين البشر الذين كتبوا بدمائهم قصيدة للحياة والسلام .. لتتناولها ريشة دراويش السياسة باللحن النشاز ، لتغنيها نائحتهم الثكلى وتحولها إلى معزوفة ندبٍ وعويلٍ مفزع... لابد وأنك واحد من ملايين البشر الذين عاشوا حلم الثورة الجميل ، وصهروا وجدانهم فيها صهراً ، وسكبوا دموعهم ودمائهم فيها أملاً وألماً ، وعزفوا حروفها لحناً صادقاً ، وهتفوا بحياتها إيماناً ونصراً .. ثم وجدوها سراباً سراباً بعد أن ظنوها ماءً صافياً عذباً فراتاً..! رابط المقال على الفيس بوك