ونحن نلج عاماً جديداً مفعماً بالتفاؤل , علينا أن نحدد أولويات هذه المرحلة , سواء من حيث صياغة عقد اجتماعي جديد في دولة ناهضة تقوم على أسس جديدة ، أو من حيث أفق هذا التحول.. بمعنى تحديد مظاهر الخلل القائمة وتجاوز رهانات إسقاط هذا المشروع المتكامل في اليمن الجديد. إن نظرة عميقة إلى التحول الذي يعيشه اليمن سيتأكد للمرء صحة الاعتبارات الدالة على أن المتغير في المشهد الراهن الذي قادته ثورات الربيع العربي غير منفصل البتة عن مجرى التحول العميق الذي تشهده المنطقة ككل.. وإن ما يعتمل من إرباك في المشهد السياسي والاقتصادي الناجم عن هذا التغيير إنما هو أحد ملامح الصورة التي بدأت تتشكل وستتضح جلياً بعد فترة ليست بالطويلة إذا ما قورنت بفداحة الكلفة التي دفعتها أوروبا - مثلاً- قبل أن تتحول إلى الصورة المثلى التي يمثلها اليوم الاتحاد الأوروبي أو حتى في تاريخ الولاياتالمتحدةالأمريكية التي –هي الأخرى – دفعت كثيراً خلال الحروب الأهلية المتوالدة وصولاً إلى هذا الشكل من نظام الحكم والأمثلة كثيرة ومتعددة في مشهد التحول الحضاري للأمم والشعوب على مدى التاريخ والحقب. وتبعاً لذلك فمن الطبيعي أن تأخذ التحولات التي تعيشها الساحة العربية – ومنها اليمن – هذا المنحى من تعقيدات المشهد الراهن في بعديه السياسي والاقتصادي، لكنه في نهاية المطاف سيمثل حصيلة تراكم من التجارب المخيبة تارة والمشجعة تارة أخرى ، وهو ما نشهده اليوم في مصر وتونس وليبيا واليمن وكذلك من علو ارتفاع سقوف حجم التغيير إلى الحد الذي يطالب فيه بعض الأطراف بتفتيت الكيان الواحد أو تمزيق اللحمة الواحدة أو غير ذلك من الحسابات والتصورات التي ليس لها ما يبررها وستبقى مجرد سجالات تخضع في نهاية الأمر لتأثير حجم التغيير في مجرى حياة الناس وتراتبية قضاياهم المجتمعية المطلبية وفي الإطار الذي ينتقل بهم من حالة الركون والإحباط والنكوص إلى حالة مختلفة تأخذ بعين الاعتبار كل التطلعات إلى التغيير نحو حياة أفضل . إن تشخيص أزمة النظام السياسي الذي تشهده ثورات الربيع العربي في عدد من الأقطار لا يعني – بالنتيجة – أن الحالة قد وصلت إلى طريق مسدود , كما لا يعني ذلك أيضاً أن نستسهل الأمر حتى يأخذ مداه الزمني بتعقيداته الاجتماعية وتحدياتة الاقتصادية , وإنما يتطلب الأمر تكثيف جهود النخب السياسية لتحفيز العطاء وفي الوجهة التي تطوي المسافات وتعزز أسس قيام الدولة العربية الحديثة المتطورة والتي تأخذ بأسباب العلم وتتخلص من أسر مفاهيم الخرافة وأنماط الاتكالية ومنهاج العصبوية أو التزمت والانغلاق التي تتناقض مع روح وقيم ومبادئ الدين الإسلامي الحنيف وتراثنا العربي العريق الذي يحث على الانفتاح والتواصل والشراكة في بعدها المجتمعي داخل الدولة الإسلامية وفي علاقتها مع محيطها العالمي . وإذا كنا نسلّم – جدلاً – بصعوبة وتعقيدات المشكلة السياسية والاقتصادية على مستوى كل ثورات الربيع العربي فإننا لا نستطيع أن ننكر مدى وحجم التحول الكبير الذي أحدثته هذه الثورات في مجرى حياة الشعوب لجهة إعلاء قيم التفاعل الايجابي بين مكونات المجتمع وهي تناقش متطلبات الحاضر واستحقاقات الراهن والمستقبل , وتشخص مشكلات المجتمع بصورة جلية لم تعهدها شعوب هذه المنطقة من قبل ، فضلاً عن أن هذا الحراك الاجتماعي يسهم – بشكل أو بآخر- في تعميق قيم الحوار والتعددية والشراكة والتكافؤ والعدل والمساواة وسيادة النظام والقانون عوضاً عن الفوضى والعشوائية التي سادت حياتنا طيلة العقود الماضية . وإذا كان هذا ينطبق على كثير من دول ثورات الربيع العربي فإنها تنطبق – كذلك – على اليمن وهو يعيش حالة مخاض وسجالات ايجابية في إطار الانتقال من فترة انتقالية إلى حالة الاستقرار , خاصة والنخب اليمنية تتهيأ للمشاركة في الحوار الوطني الشامل الذي يمثل أحد الرهانات أمام كل اليمنيين للخروج من حالة الاستلاب الراهن الذي تقرره دقة وعظمة هذا التحول إلى مرحلة جديدة ستكون ثمرة مخاضاتها العسيرة تجربة متفردة تضاف إلى سفر التحولات الحضارية التي ستشهدها المنطقة العربية ككل –ومنها اليمن- حتى وإن طال أمد هذا الانتقال. رابط المقال على الفيس بوك