قوبل إعلان تكليف الراحل الدكتور فرج بن غانم بتشكيل حكومة جديدة في مايو 1997م بارتياح شعبي ونخبوي واسع لما عرف عن الرجل من نزاهة وكفاءة قيادية كان فيها ما يكفي لبث التفاؤل في مختلف الأوساط اليمنية بمستقبل وطني أفضل، خاصة وأن حكومة بن غانم جاءت على إثر انتخابات برلمانية قال عنها علي صالح بأنها أنهت تجارب الائتلافات الحكومية الفاشلة، وأن تمخضها عن نتائج مؤهلة لانفراد حزبه بكامل سلطات الدولة سيتيح له النهوض بالأوضاع المعيشية لكافة المواطنين وتحقيق الإنجازات العملاقة في مختلف المجالات باليمن. لكن ذلك التفاؤل سرعان ما بدأ يتلاشى بانتشار أخبار استقالة فرج بن غانم قبل أن يكمل العام على توليه قيادة الحكومة، ثم مغادرته اليمن إلى منفى اختياري ظل فيه إلى أن توفي بعد أكثر من عشر سنوات على الخروج من البلد. وقد علم اليمنيون الأسباب الحقيقية التي دفعته للاستقالة السريعة من رئاسة الحكومة، غالبيتها تتعلق بإدارة صالح الفوضوية للدولة، وعدم وجود نوايا صادقة عنده لإصلاح أوضاع البلد وتلبية مطالب الشعب وفي الفترة (1998 -2000) تولى رئاسة الحكومة الدكتور عبدالكريم الإرياني ثم تلاه عبدالقادر باجمال حتى 2006 وبعده جاء الدكتور مجور وبقي في المنصب إلى أن تشكلت الحكومة الائتلافية الحالية برئاسة باسندوة أواخر العام الماضي. حكومات الإرياني وباجمال ومجور فشلت أيضا في القيام بمهامها لذات الأسباب التي أفشلت حكومة فرج بن غانم ولكن للأسف لم يجرؤ أحد من أولئك الثلاثة على تقديم استقالته، وخنعوا لاستبداد ورغبات صالح التي قادتهم إلى نهايات مؤسفة، الإرياني خرج بتحريض مظاهرات شعبية ضده كان شعارها «لا إرياني بعد اليوم» ووصفها الدكتور نفسه فيما بعد بسخرية «أنها مكافأة نهاية الخدمة». وباجمال وصله قرار إقالته وهو يحضر ندوة وطنية بصفته رئيس الوزراء، والدكتور مجور ختم تاريخه بالوقوف مع طاغية واجه ثورة شعبية عليه لم يواجه رئيس يمني مثلها من قبل. باسندوة وافق على تولي رئاسة حكومة ائتلافية في مرحلة غاية في التعقيد والخطورة ولديه أمل بأن يستطيع المساهمة في إنقاذ البلاد من انهيار شامل يلوح بالأفق، ما دام علي عبدالله صالح أصبح عاجزا «رسميا» عن عرقلة أعمال حكومته بصفته رئيسا للجمهورية، وأن الدعم الدولي والداخلي في ظل رئاسة هادي سيساعد الحكومة المنبثقة من المبادرة الخليجية على إنجاز ما تستطيع من مهام وطنية خلال عامي الفترة الانتقالية المحددة لإخراج اليمن من حافة الهاوية على الأقل. إلا أنه يبدو أن مؤامرات علي صالح وهو خارج دار الرئاسة لا تقل خطورة عن مثيلاتها حينما كان يتعامل معه العالم كرئيس للدولة، بل إن تخلصه من مسئوليات أعباء الحكم وتفرغه لاستغلال نفوذه الأخطبوطي داخل مؤسسات الدولة وخارجها، بالاستفادة من امتلاكه ثروة ضخمة بعشرات مليارات الدولارات، قد جعل مؤامراته على رئاسة هادي وحكومة باسندوة أخطر وأسوأ من كل ما تعرض له رؤساء الحكومات في الخمسة عشر عاما الماضية، وأخطر من المؤامرات التي أخرجت حزبي الاشتراكي والإصلاح من السلطة عامي 1994 و1997م وأما ذروة الخطورة في أحدث مؤامرات صالح أنها تدفع الشعب اليمني بكامله إلى صراعات سياسية وأيديولوجية وطائفية ومناطقية تهدد بحرب أهلية كان قد لوح بها صالح عدة مرات في السنوات الأخيرة لرئاسته. إن من يتأمل الملامح الظاهرة لإعادة الفرز للتحالفات في الساحة السياسية اليمنية منذ توقيع المبادرة الخليجية سيدرك أن علي عبدالله صالح قد وقع عليها ولديه مخططات «كانت بعضها قد دخلت مرحلة التنفيذ بالفعل» تهدف إلى ضرب الثورة من داخلها، وخلط أوراق الكثير من شئون الدولة والسلطة لإفشال الرئيس هادي ورئيس الوزراء باسندوة بوجه خاص، تمهيدا لإحداث انهيار كبير بالبلد ستشارك في صنعه قوى متعددة «بوعي أو بدونه» كالحوثيين بالشمال والحراك المسلح بالجنوب وعدد من المشائخ بالوسط، وحينما ينشغل الناس بالاضطرابات العسكرية والصراعات المسلحة الواسعة، وتصبح المبادرة الخليجية في حكم الفاشلة والميتة، حينها سيقفز أبناء صالح وبقايا نظامه للسيطرة على العاصمة صنعاء، ثم الزحف على محافظات أخرى لتشكيل دولة جديدة، وتترك محافظات للحوثيين والحراك الجنوبي لإقامة دولتين لهما فيهما. هذا هو مخطط صالح وعائلته كما تشير المؤشرات المشاهدة على الواقع، وإذا فشل فيه وتحولت اليمن إلى صومال جديد، فإنه سيلبي رغبته الأحقر بهدم المعبد على رؤوس الجميع تحقيقا لمقولته الشمشونية التي كان يرددها من وقت لآخر «عليّ وعلى أعدائي» بعد أن يؤمن طريق هروبه مع عائلته إلى الخارج، كما فعل سيادبري من قبل. إذا لم يتم إخراج صالح وأفراد عائلته المسيطرين على نصف الجيش والأمن من اليمن، بغضون الأسابيع القليلة القادمة وإنهاء كافة المظاهر المسلحة في المدن، ودمج وحدات الفرقة والحرس وإخضاعها لقيادة رئيس الجمهورية ووزير الدفاع، فإن الأوضاع ستتجه إلى اضطرابات وصراعات مسلحة عنيفة ستتفجر في الكثير من المناطق اليمنية وسيصل الانفلات الأمني بالمحافظات إلى درجة الغياب التام لمؤسسات الدولة، باستثناء العاصمة وربما صعدة أيضا بإحكام الحوثيين السيطرة الكاملة عليها، وستشهد البلاد كوارث إنسانية ومجاعات كالتي شاهدناها في بلدان أفريقية تتسلط عليها طغاة ومجرمون مثل علي عبدالله صالح، نهبوا ثرواتها وخيراتها ثم خربوها ومزقوا وحدة مواطنيها، وفي النهاية تركوها خرائب مدمرة وموحشة لا تعيش فيها إلا العصابات المسلحة والضباع المفترسة.