1- جرذ مأرب الزمان: بدايات الألف الأولى قبل الميلاد. "تذهب إلى السد، فإذا رأيت، هناك، جرذاً يكثر بيديه الحفر، ويقلب برجليه الصخر من الجبل، فاعلم أن النقر عقر، وأنه وقع الأمر". ذلك ما قالته كاهنة، تدعى طريفة الخبر، لملك اليمن عمرو بن عامر، بعدما رأت، في ما يرى النائم، أن سحابة غشيت البلاد، وأرعدت، وأبرقت، ثم صعقت، فلم تقع على شيء إلا أحرقته. ووفق ما تذكره الأساطير والحكايات المتداولة منذ مئات السنين، عن ممالك اليمن القديمة، فإن عمرو انطلق، بعدما سمع كلام الكاهنة، إلى سد مأرب، فرأى الجرذ يقلب برجليه صخرةً، ما يقلبها خمسون رجلاً، وعاد إلى الكاهنة، وأخبرها الخبر، لتقدم له علامات أخرى على حتمية وقوع المصاب الجلل، ثم سألها؛ متى ترين هلاك السد؟ فقالت: في ما بين السبع سنين. وتروي صفحة أخرى من الأسطورة نفسها أن عمرو رأى، أيضاً، في منامه سيل العرم الذي ورد ذكره في القرآن الكريم، بوصفه سبب انهيار سد مأرب، فأخفى الأمر عن قومه، وابتدع الحيلة، ليبيع إليهم كل ما يملك في سبأ، ويخرج منها وولده بالمال الذي جمعوه، لكن الخبر تسرب، وعلم الناس به، متأخرين، فبدأت القبائل ترحل إلى مناطق بعيدة، للنجاة من الخطر المرتقب. 2- التدخل الفارسي. الزمان: القرن السادس للميلاد. .. ولما استبد ظلم الحبشة بأهل اليمن، خرج سيف بن ذي يزن الحميري، وقدم على قيصر ملك الروم، وشكا إليه ما كان من ظلمهم، وطلب عونه ليكفَّ يدهم، ويخرجهم من بلاده، ويبعث للولاية عليها من شاء من الروم، فلم يسعفه، ثم إنه ذهب طالباً النجدة من كسرى، ملك الفرس، فتشاور هذا الأخير مع أهل دولته، فقالوا له: إن في سجونك رجالاً حبستهم للقتل (محكومين بالإعدام) فابعثهم معه، فإن هلكوا كان الذي أردت بهم، وإن ملكوا كان ملكا يضاف إلى ملكك. بقية الأسطورة المروية في أزيد من عشرين كتاباً، والتي يصعب فصل الواقعي منها عن الخيالي، يمكن إيجازها في القول إن ملك الفرس عمل فعلاً بمشورة أهل دولته، وجهّز جيشاً من السجناء المحبوسين للقتل، تحت إمرة رجل يدعى وهزر الديلمي، وإن سيف بن ذي يزن تمكّن، بمعونة هؤلاء، وقتالهم جنباً إلى جنب مع رجاله، من هزيمة الأحباش، ومَن والاهم من الأوباش اليمنيين، ثم دخل صنعاء، وتولى الحكم ملكاً على اليمن، بأمرٍ من كسرى، بينما صار قائد المقاتلين الفرس نائباً له، وجاء شيوخ القبائل لتهنئته، من شتى أنحاء جزيرة العرب، لكنه سرعان ما تعرض للقتل غيلة، وقيل إن الفرس تآمروا على التخلص منه، فزالت بموته دولة العرب، ولم تقم لملوك حمير من بعده قائمة، لأن اليمن كلها صارت ولاية فارسية، وظلت كذلك حتى لحظة دخول أهلها في الإسلام. 3- عودة وهزر الديلمي. الزمان: بدايات الألفية الثالثة للميلاد. من طريف القول المحزن عن حال اليمن، اليوم، أن المسلمين الأوائل الذين فتحوها قبل أربعة عشر قرنا، لو عادوا إلى الحياة، لاستطاعوا التعرف عليها، من فورهم، لأن كل شيء فيها، لا يزال على ما كان عليه، عند رحيلهم عنها إلى الحياة الآخرة. وليس المقصود بذلك تدني مستواها العمراني فحسب، بل انهيار سدودها الوطنية والاجتماعية، أيضاً، ثم غرقها، الآن، بدم أبنائها، نتيجة بقاء الجرذ حياً، وتناسله المستمر ربما، منذ دمر سد مأرب إلى اليوم، وكذا عجز شيوخ القبائل فيها، عن الحياة، من دون ولاءٍ لأي كسرى أو لأي قيصر. وقد لا يحتاج الأمر كبير عناء، هنا، ليعرف اليمنيون أن عليهم، الآن، منع وهزر الديلمي من العودة إلى الحياة، وإلى حكم اليمن من جديد.