كان مشهدا حسينينا بامتياز، الدم يواجه السلاح، بل إنه مشهد أعظم ورب الكعبة، فالإمام الحسين ولد ونشأ في بيت النبوة، والده الإمام علي وهو من هو في الإيمان والتقوى والقرب من قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وأمه فاطمة الزهراء سيدة نساء أهل الجنة، ولهذا لم يكن غريباً على مثله تسجيل تلك الملحمة الاستشهادية العظيمة، أما شهداء الساحات فقد خلقوا بعد 1400 عام من وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وظهروا في عصر التمسك فيه بالدين كالقبض على الجمر –كما في الحديث، وظهر منهم بطولات وتضحيات وفداء من تلقاء أنفسهم تجعلنا نستغرب من تعرض الإمام الحسين لذلك الخذلان البشع من أصحابه وأتباعه في ذلك العصر الإسلامي المتقدم. والمثير للاستغراب والدهشة "التاريخية" إلى اليوم وجود فئة تتباكى على دم الحسين وتقيم سرادق العزاء السنوية في الذكرى الكربلائية، وفي الواقع تقوم بتكرار جرائم قتلة الإمام الشهيد، أو الذين خذلوه وضحوا به، انظروا مثلا إلى الحوثيين في اليمن كيف يقتلون ويظلمون المسلمين اليوم، وكيف يخذلون الثوار في ساحات مواجهة السلاح بالصدور العارية. سقط ما يزيد عن ألف شهيد في ساحات الثورة الشعبية السلمية خلال العام الماضي 2011م والعام الجاري ربما لم يتجاوز عددهم العشرة، قد يكون هذا الفارق بين العددين كافيا لإعطاء العذر للذين منحوا المجرمين حصانة نيابة عن الثورة، إنما يوجد معان للحصانة فيها من الأهمية ما يجب إدراكه أيضا، طلب الحصانة معناه اعتراف كامل بجميع جرائم 2011م وكل ما قبلها، وتوسل للحصول على نجاة من العقاب ولكن بطريقة سياسية، إذا المحاكمة تمت باعتراف الجناة وعفو من قبل طرف وإن لم يكن هو وكيل الضحايا لأنه يعلم أن لدى موكليه أهدافاً أسمى من مجرد الثأر من المجرمين بإنزال أشد العقوبات عليهم. الضحايا قدموا أرواحهم ودماءهم رخيصة من أجل وطنهم وفداء لشعبهم، لهذا فإن بناء يمن جديد متطور ومزدهر، يسوده العدل والخير لكل اليمنيين، هو الوفاء المطلوب للشهداء والجرحى وكافة الثوار الصادقين بالساحات وخارجها، وموافقة ذوي الضحايا والثوار على "الحصانة" مقابل تحقيق هذا الهدف يعكس مدى سمو غايتهم ونبل أهدافهم، الأمر الذي لا مثيل له في ثورات الربيع العربي الأخرى وضوحا وجلاء. المجرمون اعترفوا، الضحايا والمتضررون تنازلوا عن حقوقهم الشخصية لصالح بلدهم وشعبهم، وبصدور حكم الحصانة يفترض أن تنتهي القضية، ويتجه الجميع للعمل نحو إنجاز هدف يمحو آثار الماضي، ويقود إلى مستقبل أفضل لكافة اليمنيين، ولكن ماذا يكون عليه الحال عندما يعود المجرمون بعد الحصانة إلى سابق عهدهم بالإصرار على تدمير البلد وتعذيب الشعب من أجل رغبات فردية أو مصالح فئوية؟ هنا تبرز أهمية أخرى للحصانة ليس ضد المجرمين وحسب، بل وضد الموقعين عليها نيابة عن الساحات وضد الضامنين على المجرمين إقليميا ودوليا. عدم استفادة المجرمين من الحصانة للتوبة وإظهار حسن نوايا تجاه اليمن الجديد الذي يريده الشعب يعطي الحق مباشرة للثوار لمواجهتهم بجميع الخيارات التي يرونها مناسبة لإنقاذ البلاد من إجرامهم الموغل في الانحطاط. كما يبرر للثوار رفض أي تسويات سياسية يكون هؤلاء الحاصلون على الحصانة طرفا فيها، حتى لو كان البديل تقديم شهداء جدد بالآلاف، زخم ثورتهم بعد استهتار المجرمين بالحصانة سيكون مختلفا تماما عما قبلها، الاندفاع أقوى، التأييد الشعب أوسع بأضعاف ما كان في 2011م، المواقف الإقليمية والدولية لن يكون لديها مبررات الانحياز إلى جانب المجرمين كالسابق مطلقا. الثورة الشعبية السلمية شهدت العام الماضي عدة ملاحم كربلائية في صنعاء وتعز وعدن، ومناطق غيرها تستحق إقامة مجالس عزاء سنوية لها حتى قيام الساعة، ثم ألحقتها بحصانة للمجرمين لم يذكر التاريخ شبيها لها في الترفع على الجراح وتجاوز الحقوق الشخصية غير أن خروج زعيم المجرمين بخطاب علني يصف الذين منحوه الحصانة ب"البلاطجة والمتخلفين" فيه إثبات دافع على انعدام نية التوبة لديه، ويؤكد الشكوك بأنه ما زال يعمل مع ثلة من المجرمين على مواصلة جرائمهم التي أعطيت لهم الحصانة مقابل التوقف عنها، وتصل درجة وقاحته وقلة حيائه إلى تعمد إعلان نواياه الشريرة بالتزامن مع حلول الذكرى السنوية الأولى لمجزرة جمعة الكرامة "أبرز الملاحم الكربلائية" التي دفعته لتقبيل أحذية حكام الشرق والغرب، ليساعدوه على النجاة بحياته عقب ارتكابه تلك المجزرة. الخطاب الأخير للمخلوع فيه الجواب الكافي لمن لا يدركون ضرورة إقالة أقاربه من قيادة الجيش والأمن، إنه أحقر رئيس عرفه العالم في العصر الحديث، يستقوي على الثوار النبلاء والشعب المنهك بعمالة خسيسة للخارج، وبوسائل منحطة في الداخل على رأسها تحويل مصادر قوة الدولة "الجيش والأمن" إلى مصادر قوة عائلية لإبقاء أسرته وشلة المجرمين حوله مستحوذين على خيرات البلد، وإن كان على حساب إفقار الشعب وانهيار الدولة. على ذكر عائلة زعيم المجرمين الحاصلين على الحصانة، يلاحظ زيادة الترويج لنجله أحمد "قائد الحرس الجمهوري" كرئيس منتظر، ومن المميزات التي يحرص "المروجون له" على إلصاقها به الادعاء بأن أحمد نظامي بمعنى أنه يقدس النظام والقانون ولا يجب العبث والارتجالية كأبيه. أحمد علي الذي دخل البرلمان بطريقة غير شرعية عام 1997م وفشل في أن يصبح برلمانيا متميزا، ثم قفز إلى قيادة الحرس الجمهوري وعمره حوالي 27 عاما، وسخر له والده تلقي الموازنة العسكرية وشتى أنواع الدعم الخارجي والداخلي ليبدو كقائد عسكري حقيقي لأكبر قوة عسكرية في اليمن "عددا وتسليحا". إلى أن أصبح الحرس الجمهوري جيشا خاصا بالعائلة يغنيها عن بقية جيش الدولة البري بكامله، أحمد علي الموصوف منذ 2004م بأنه "نافذة الاستثمار الرئيسية باليمن" تورط في عدة قضايا فساد تجاري كشفت عنها وسائل إعلام أجنبية، ويمتلك استثمارات ضخمة في أوروبا وأمريكا، رفع الستار عن بعضها مؤخرا، علاوة على امتلاكه ثروات عقارية ونقدية ضخمة تمكن من جمعها في السبع السنوات الأخيرة، الأرجح أنه حصل عليها –أو معظمها- من مصادر غير مشروعة. وفيما يظهر أنه نجح في فرض الانضباط العسكري –إلى حد ما- داخل الحرس الجمهوري إلا أن خبرته السياسية قريبة من الصفر، وكل ذلك يهون مقارنة باعتباره أحد أركان النظام الفاسد الحاصلين على شهادة الإجرام العليا ممثلة بالحصانة!! حلول الذكرى الأولى لجمعة الكرامة في ظل بقاء المجرمين مختطفين لغالبية القوات العسكرية والأجهزة الأمنية ومؤسسات الدولة يفرض على المشترك التفكير جديا إعادة النظر في أولوياته وخياراته لهذه المرحلة لتجنب إضاعة المزيد من الوقت وتفادي الانغماس في شراكة حكومية وهمية ودوامة حوارات أشبه بمتاهات لا نهاية لها. المخلوع وعائلته الإجرامية صدر عنهم بالآونة الأخيرة ما يشير بوضوح إلى خياراتهم المستقبلية الناسفة للمبادرة الخليجية ولا نعلم ما لدى قيادات المشترك والجيش المؤيد للثورة لمواجهتها، المهم نخشى أن تحل علينا الذكرى الثانية لجمعة الكرامة العام القادم ونحن لا نزال مشغولين بالمخلوع وعائلته بنفس ما عليه حالنا اليوم!!