مباحثات يمنية - روسية لمناقشة المشاريع الروسية في اليمن وإعادة تشغيلها    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    أزمة الكهرباء تتفاقم.. دعوات للعليمي والحكومة بتقديم الاستقالة    الاكاديمية العربية للعلوم الادارية تكرم «كاك بنك» كونه احد الرعاة الرئيسين للملتقى الاول للموارد البشرية والتدريب    عاجل: غارة للطيران الأمريكي في مطار الحديدة الدولي    مصدر مسؤول: لملس لم يدلي بأي تصريح ولا مقابلة صحفية    بيان للمبعوث الأممي ''غروندبرغ'' قبيل جلسة لمجلس الأمن الدولي بشأن اليمن    احتجاز عشرات الشاحنات في منفذ مستحدث جنوب غربي اليمن وفرض جبايات خيالية    صراع الكبار النووي المميت من أوكرانيا لباب المندب (1-3)    رشاد كلفوت العليمي: أزمة أخلاق وكهرباء في عدن    ماذا يحدث في عدن؟؟ اندلاع مظاهرات غاضبة وإغلاق شوارع ومداخل ومخارج المدينة.. وأعمدة الدخان تتصاعد في سماء المدينة (صور)    قيادي انتقالي: الشعب الجنوبي يعيش واحدة من أسوأ مراحل تاريخه    بناء مستشفى عالمي حديث في معاشيق خاص بالشرعية اليمنية    من أراد الخلافة يقيمها في بلده: ألمانيا تهدد بسحب الجنسية من إخوان المسلمين    فريق مركز الملك سلمان للإغاثة يتفقد سير العمل في بناء 50 وحدة سكنية بمديرية المسيلة    دموع ''صنعاء القديمة''    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    وكالة أنباء عالمية تلتقط موجة الغضب الشعبي في عدن    أرتيتا لتوتنهام: الدوري الإنجليزي يتسم بالنزاهة    صحيفة لندنية تكشف عن حيلة حوثية للسطو على أموال المودعين وتصيب البنوك اليمنية في مقتل .. والحوثيون يوافقون على نقل البنوك إلى عدن بشرط واحد    مارب.. الخدمة المدنية تدعو الراغبين في التوظيف للحضور إلى مكتبها .. وهذه الوثائق المطلوبة    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    تشافي: أخطأت في هذا الأمر.. ومصيرنا بأيدينا    النفط يواصل التراجع وسط مؤشرات على ضعف الطلب    ميلان يكمل عقد رباعي السوبر الإيطالي    تعيين الفريق محمود الصبيحي مستشارا لرئيس مجلس القيادة لشؤون الدفاع والامن    شاهد.. الملاكمة السعودية "هتان السيف" تزور منافستها المصرية ندى فهيم وتهديها باقة ورد    صورة حزينة .. شاهد الناجية الوحيدة من بنات الغرباني تودع أخواتها الأربع اللواتي غرقن بأحد السدود في إب    انهيار جنوني متسارع للريال اليمني.. والعملات الأجنبية تكسر كل الحواجز وتصل إلى مستوى قياسي (أسعار الصرف)    هل تعاني من الهم والكرب؟ إليك مفتاح الفرج في صلاةٍ مُهملة بالليل!    باريس يسقط في وداعية مبابي    رسميًا: تأكد غياب بطل السباحة التونسي أيوب الحفناوي عن أولمبياد باريس 2024 بسبب الإصابة.    دموع "صنعاء القديمة"    رسالة صوتية حزينة لنجل الرئيس الراحل أحمد علي عبدالله صالح وهذا ما ورد فيها    تحرير وشيك وتضحيات جسام: أبطال العمالقة ودرع الوطن يُواصلون زحفهم نحو تحرير اليمن من براثن الحوثيين    منصات التواصل الاجتماعي تشتعل غضباً بعد اغتيال "باتيس"    للتاريخ.. أسماء الدول التي امتنعت عن التصويت على انضمام فلسطين للأمم المتحدة    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    وزير المياه والبيئة يزور محمية خور عميرة بمحافظة لحج مميز    الأمم المتحدة تعلن فرار مئات الآلاف من رفح بعد أوامر إسرائيل بالتهجير    "أطباء بلا حدود" تنقل خدماتها الطبية للأمهات والأطفال إلى مستشفى المخا العام بتعز مميز    بدء اعمال مخيّم المشروع الطبي التطوعي لجراحة المفاصل ومضاعفات الكسور بهيئة مستشفى سيئون    المركز الوطني لعلاج الأورام حضرموت الوادي والصحراء يحتفل باليوم العالمي للتمريض ..    مصرع وإصابة 20 مسلحا حوثيا بكمين مسلح شرقي تعز    وفاة أربع فتيات من أسرة واحدة غرقا في محافظة إب    لو كان معه رجال!    أفضل دعاء يغفر الذنوب ولو كانت كالجبال.. ردده الآن يقضى حوائجك ويرزقك    عاصفة مدريدية تُطيح بغرناطة وتُظهر علو كعب "الملكي".    بلباو يخطف تعادلًا قاتلًا من اوساسونا    أطفال غزة يتساءلون: ألا نستحق العيش بسلام؟    بالفيديو...باحث : حليب الإبل يوجد به إنسولين ولا يرفع السكر ويغني عن الأطعمة الأخرى لمدة شهرين!    هل استخدام الجوال يُضعف النظر؟.. استشاري سعودي يجيب    قل المهرة والفراغ يدفع السفراء الغربيون للقاءات مع اليمنيين    مثقفون يطالبون سلطتي صنعاء وعدن بتحمل مسؤوليتها تجاه الشاعر الجند    هناك في العرب هشام بن عمرو !    بسمة ربانية تغادرنا    عندما يغدر الملوك    قارورة البيرة اولاً    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عودة وضّاح اليمن
نشر في نشوان نيوز يوم 17 - 03 - 2021

الشاعر الكبير عبدالعزيز المقالح – نشوان نيوز – عودة وضّاح اليمن
ضائعاً – كنتُ – محترقاً، أتمزَّقُ في قبضةِ اللَّيلِ والشَّجنِ البربريِّ الرَّماديِّ، أصرخُ، أرحلُ في سفنِ الحزنِ، تحملُني في بحارٍ منَ اليأسِ، أذكرُها تتعذَّبُ بَعْدي، تواجهُ أعداءَها في ثباتٍ. أمدُّ يدي نحوَها، تتراخى يدي تحتَ رعبِ المسافاتِ، أبكي، يطيرُ بيَ الدمعُ، يرجعُ بي نحوَها.. يا لَرَخٍّ منَ الدمعِ يحملُني في حنانٍ رحيمْ!
(أتساءلُ أينَ الطريقُ إليها، فأسمعُها تتكلَّمُ) :
– منْ أنتَ؟ ما تبتغي منْ فتاةٍ عجوزٍ بلا زادٍ اسْلَمَها قومُها للمجاعةِ والموتِ، باعوا ضفائرَها للظلامِ حبالاً، وناموا على عتباتِ المواعيدِ يقتسمونَ كؤوسَ المهانةِ في الحُلْمِ، يختصمونَ على القيدِ، يحتطبونَ بوادي الثعابينِ، يستمطرونَ الغبارَ العقيمْ؟
(تتلفَّتُ مذعورةً، ثمَّ تصمتُ.. تنحبُ وَهْيَ تسائلُني) :
– منْ تكونُ؟ متى جئتَ؟ كيفَ تسلَّلْتَ عَبْرَ الظلامِ إلى وِحْدتي؟ أنا منبوذةٌ أتضوَّرُ جوعاً، وحولي مئاتُ الموائدِ تمتدُّ للعاهراتِ، بحارٌ منَ (النفطِ) تسبحُ فيها الجواري، ويغرقُ وجهُ الجزيرةِ منتحباً، والمداخلُ مقفلةٌ، والمشانقُ تُطْوى لكيما تقامَ، تقامُ لِتُطْوى، وتفجعُني بأعزِّ البنينَ.. بأشجعِهم. تتلألأُ عندَ الضُّحَى بقعُ الدَّمِ، تلمعُ أكفانُهم، وتميلُ الجباهُ إلى الشرقِ مذبوحةً. ليسَ لي بعدَهم أملٌ، عُدْ إنِ اسْطَعْتَ؛ فالصّائدونَ حواليكَ كُثْرٌ، ومنْ حولِنا الرملُ مقبرةٌ والصَّحارى جحيمْ!
(أتمالَكُ نفسي منَ الموتِ خِزْياً، ويمتدُّ صوتي حزيناً) :
– أأهربُ عنكِ؟ وأنتِ نصيبي منَ الأرضِ والشمسِ والقمرِ المتلألئِ في وطني واغترابي، ولونُ اكتئابي وَضِحْكي، وبيتي ومقبرتي وسحابي. أنا أنتِ.. هل تذكرينَ؟ أنا أنتِ، وَضّاحُ، يا شِعْرَ وَضّاحَ، يا قلبَهُ القُرَوِيَّ اليماني المعلَّقَ في الأرضِ. لم يغتربْ ظلَّ يخفقُ للفَجْرِ حولَ الجبالِ، وفي الحقلِ يحرسُ مزرعةَ الشمسِ، ينمو ويورقُ، يكبرُ في السنديانِ الجديدِ – القديمْ.
تحتَ جِلْدي تعيشينَ، نبكي معاً ونصلّي، نجوعُ وَنَعْرَى، نجدِّفُ في اللهِ والشعبِ، يضبطُنا عسسُ اللَّيلِ والمخبرونَ؛ فأكتبُ اِسْمي، وأخفيكِ تحتَ دمي، لا يشكُّونَ أنّكِ كنتِ معي نَتَشَمَّمُ رائحةَ الخبزِ، نعبرُ أرصفةَ المالِ. أعلمُ أنّكِ معروفةٌ، وأنا وَحْدِيَ الرَّقَمُ الضّائعُ الاِسْمِ. لكنّني مشفقٌ أنْ يروكِ تنامينَ في الطرقاتِ، ولا زادَ، ليسَ يغطِّيكِ غيرُ خيوطٍ تبقَّتْ لنا منْ بُرُودٍ يمانيّةٍ، مجدُها لا يَرِيمْ.
(تتراجعُ، تُخْفي ملامِحَها في الحصيرِ المعفَّرِ، تصرخُ في دهشةٍ) :
– أُوْهُ، وَضّاحُ لا تقتربْ، صرتُ مجذومةً، يتساقطُ لحمي على الأرضِ، تأكلُهُ الدُّوْدُ منْ كلِّ ناحيةٍ، يتقيَّحُ أنفي صديداً، فمي يتشقَّقُ، كَفّايَ مثقلتانِ.. لماذا تأخَّرْتَ؟ هل شغلتْكَ عنِ الأهلِ والأرضِ (أمُّ البنينَ ([1])) الجميلةُ أمْ إنّها احتجزتْكَ معَ السِّنْدِبادِ بحارٌ منَ العشقِ في رُدُهاتِ قصورِ الحريمْ؟
(أتكوَّرُ داخلَ نفسي وأهمسُ في خجلٍ) :
– لا وعينيكِ، يا (روضةَ) الحبِّ، ما خنتُ عينيكِ، بل كنتُ مغترباً رَهْنَ صندوقِ خوفيَ يحملُني الفقرُ والجوعُ، عبرَ شوارعِ بغدادَ، في (تُرَبِ ([2])) النِّيْلِ، بينَ قُرَى الشّامِ؛ أبحثُ عنْ هدهدٍ يتعرَّفُ حزني، يدلُّ على محنتي وانكساري، وكانتْ دموعي تُغَنِّيْكِ، تكتبُ شعراً يُناجيكِ: يا (روضةَ) الحبِّ، يا أختَ (بلقيسَ) يا أمَّها يا حفيدتَها البِكْرَ، يا شمسَنا في اللَّيالي، ومصباحَنا في الظلامِ البهيمْ.
كمْ صرخْتُ لعلَّ ندائي يمرُّ بدارِكِ يوماً، فيمتدُّ شوقُكِ ينقذُني منْ متاهةِ ليلِ الدُّوارِ الذي طالَ، يوقظُني منْ سُباتِ التشرُّدِ. أرصفةُ اللَّيلِ في مدنٍ لا تكونينَ فيها تُطاردُني. وسمعتُكِ ذاتَ مساءٍ تنادينَ، جئتُكِ منفرداً في بساطٍ منَ الدمعِ والشوقِ. شِعْري سلاحي، ومنْ قبلُ كانَ كسائي وقوتي؛ أفصِّلُهُ في الشتاءِ رداءً وفي الصيفِ أشربُهُ حينَ يشتدُّ بي ظمئي، ويحاصرُني في الهجيرِ السَّرابُ / السَّديمْ.
(تتململُ في كوخِها، الموحشِ الجدبِ، تُطلقُ صرخةَ يأسٍ، وتطعنُني بالسُّؤالِ) :
– لماذا تأخَّرْتَ؟.
إني هنا جُثَّةٌ نبذَتْها المدينةُ تنتظرُ الدَّفْنَ، حتى الطيورُ الجوارحُ – لا لحمَ لي – نبذَتْني، وطارتْ بعيداً؛ كأني بقايا عظامٍ منَ الأمسِ لا تستطيبُ الطيورُ لها مطعماً، فابتعدْ.. يوشكُ اللَّيلُ يهبطُ، إني على موعدٍ والمواجيدِ، أبكي بَنِيَّ الذينَ أضاءوا وماتوا، أبوا أنْ يَفِرُّوا، فكانوا غذاءَ الذِّئابِ مساءً، وعندَ الظهيرةِ كانوا غذاءَ الهشيمْ.
(لا أصدِّقُ أنَّ التي فتنَتْني، وكانتْ لنا الماءَ والخبزَ والعشقَ، تقضي بآلامِها في الصَّحارى مقطَّعَةَ الشَّعْرِ، مجذومةً، تتساقطُ رُعْباً؛ فأسألُ عَيْبانَ ([3]) ، أسألُ وجهَ الطَّويلِ ([4]) – الذي كانَ يوماً طويلاً – أناجي بقايا حجارةِ غَمْدانَ؛ هل منْ دواءٍ لفاتنتي؟ ثمَّ أسمعُ صوتاً كما الرَّعْدِ، يرحلُ بي في عيونِ التفاؤلِ، ينتشلُ السُّفُنَ الغارقاتِ على مرفَإي… ).
– قيلَ لي: إنَّ عَرّافَ (وادي الجماجمِ) ، أدركَها مَرَّةً؛ فتنبَّأَ أنْ سوفَ تُشْفى، وتنهضُ منْ دائِها؛ حينَ تكشفُ عنْ ساقِها، ثمَّ ترقصُ عاريةً فوقَ صرحِ الدِّماءِ وتغسلُ عارَ التَّسَوُّلِ والقهرِ بالنارِ، ثمَّ تقدِّمُ منْ لحمِ أعدائِها وجبةً للوحوشِ الأليفةِ والطَّيْرِ، تَقْطَعُ منْ عَضَلاتِ الخليفةِ، والحرسِ الملَكِيِّ شواءً؛ تقدِّمُهُ للجياعِ منَ الشعبِ في حفلةِ البُرْءِ.. لكنْ متى؟ والخليفةُ ماتَ، وما دَلَّهُم غيرُ شِعْري على موتِهِ، والنَّوارسُ والبحرُ مسجونةٌ في القماقمِ، والشمسُ مجذومةٌ والنهارُ العظيمْ.
1973م
([1]) زوج الوليد
([2]) مقابر النيل
([3]) عيبان: جبل جنوب غربي صنعاء.
([4]) الطويل: جبلٌ شمال شرقي صنعاء على طريق مأرب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.