في لعبة كرة اليد نصر الحمراء بطل اندية الدرجة الثالثة    أمين عام الإصلاح يعزي رئيس مؤسسة الصحوة للصحافة في وفاة والده    مثقفون يطالبون سلطتي صنعاء وعدن بتحمل مسؤوليتها تجاه الشاعر الجند    مبابي يعلن رسميا رحيله عن باريس سان جيرمان    تأملات مدهشة ولفتات عجيبة من قصص سورة الكهف (1)    الجمعية العامة تصوّت بغالبية كبرى تأييدا لعضوية فلسطين في الأمم المتحدة    هناك في العرب هشام بن عمرو !    الريال اليمني يصل إلى أدنى مستوى له أمام العملات الأجنبية (أسعار الصرف)    وفاة طفلين إثر سقوطهما في حفرة للصرف الصحي بمارب (أسماء)    مقتل وإصابة 5 حوثيين في كمين محكم شمال شرقي اليمن    تفاعل وحضور جماهيري في أول بطولة ل "المقاتلين المحترفين" بالرياض    الحوثيون يطيحون بعدد من كوادر جامعة الضالع بعد مطالبتهم بصرف المرتبات    الحوثيون يفتحون طريق البيضاء - مأرب للتنصل عن فتح طريق مأرب - صنعاء    قوات دفاع شبوة تضبط مُرّوج لمادة الشبو المخدر في إحدى النقاط مدخل مدينة عتق    ضربة موجعة وقاتلة يوجهها أمير الكويت لتنظيم الإخوان في بلاده    لحوم العلماء ودماء المسلمين.. قراءة في وداع عالم دين وشيخ إسلام سياسي    أخطاء رافقت تأسيس المجلس الانتقالي بسبب ضغط الحلفاء والخصوم    سياسي جنوبي: أنهم ضد الاستقلال وليس ضد الانتقالي    الشرعية على رف الخيبة مقارنة بنشاط الحوثي    صباح (غداً ) السبت اختتام دورة المدربين وافتتاح البطولة بعد الظهر بالصالة الرياضية    الليغا .. سقوط جيرونا في فخ التعادل امام الافيس    الحوثيون يتحركون بخطى ثابتة نحو حرب جديدة: تحشيد وتجنيد وتحصينات مكثفة تكشف نواياهم الخبيث    "حرمة الموتى خط أحمر: أهالي المخا يقفون بوجه محاولة سطو على مقبرة القديمي"    أبرز المواد الدستورية التي أعلن أمير ⁧‫الكويت‬⁩ تعطيل العمل بها مع حل مجلس الأمة    تعرف على نقاط القوة لدى مليشيا الحوثي أمام الشرعية ولمن تميل الكفة الآن؟    "صحتي تزداد سوءا".. البرلماني أحمد سيف حاشد يناشد بالسماح له للسفر للعلاج ودعوات لإنقاذ حياته وجماعة الحوثي تتجاهل    أنشيلوتي: فينيسيوس قريب من الكرة الذهبية    هل الموت في شهر ذي القعدة من حسن الخاتمة؟.. أسراره وفضله    وثيقة" مجلس القضاء الاعلى يرفع الحصانة عن القاضي قطران بعد 40 يوما من اعتقاله.. فإلى ماذا استند معتقليه..؟    25 ألف ريال ثمن حياة: مأساة المنصورة في عدن تهز المجتمع!    البدر يلتقي الأمير فيصل بن الحسين وشقيق سلطان بروناي    اكلة يمنية تحقق ربح 18 ألف ريال سعودي في اليوم الواحد    محاولة اختطاف فاشلة لسفينة شرقي مدينة عدن مميز    وفاة وإصابة أكثر من 70 مواطنا جراء الحوادث خلال الأسبوع الأول من مايو    السلطات المحلية بالحديدة تطالب بتشكيل بعثة أممية للإطلاع على انتهاكات الحوثيين مميز    في رثاء الشيخ عبدالمجيد بن عزيز الزنداني    الذهب يتجه لتحقيق أفضل أداء أسبوعي منذ 5 أبريل    بسمة ربانية تغادرنا    جماعة الحوثي تعلن ايقاف التعامل مع ثاني شركة للصرافة بصنعاء    بسبب والده.. محمد عادل إمام يوجه رسالة للسعودية    عندما يغدر الملوك    قارورة البيرة اولاً    رئيس انتقالي شبوة: المحطة الشمسية الإماراتية بشبوة مشروع استراتيجي سيرى النور قريبا    الدوري الاوروبي ... نهائي مرتقب بين ليفركوزن وأتالانتا    ولد عام 1949    بلد لا تشير إليه البواصل مميز    هموم ومعاناة وحرب خدمات واستهداف ممنهج .. #عدن جرح #الجنوب النازف !    باذيب يتفقد سير العمل بالمؤسسة العامة للاتصالات ومشروع عدن نت مميز    دواء السرطان في عدن... العلاج الفاخر للأغنياء والموت المحتم للفقراء ومجاناً في عدن    لعنة الديزل.. تطارد المحطة القطرية    تضرر أكثر من 32 ألف شخص جراء الصراع والكوارث المناخية منذ بداية العام الجاري في اليمن    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل بوزارة الخارجية وشؤون المغتربين    الدين العالمي يسجل مستوى تاريخيا عند 315 تريليون دولار    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    وزير المياه والبيئة يبحث مع اليونيسف دعم مشاريع المياه والصرف الصحي مميز    شاهد: قهوة البصل تجتاح مواقع التواصل.. والكشف عن طريقة تحضيرها    الشيخ علي جمعة: القرآن الكريم نزَل في الحجاز وقُرِأ في مصر    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحمدي... حضور يزهر في الثورة (تقرير خاص)
نشر في الوحدوي يوم 11 - 10 - 2013

طيلة أحداث الانتفاضة الشبابية الشعبية السلمية في اليمن واظب الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي على الحضور في يومياتها بصورة لافتة ونوعية، كنموذج يقول المنتفضون انه التجسيد الأمثل لأقصى غاياتهم المنشودة،وتضحياتهم المشرقة من جانب ، ومن جانب أخر كتعبير أصيل عن قيم الوفاء والإنصاف لرجل اخلص في حب الشعب والوطن ، ورغم السعي الثوري الدؤوب والمتوحد عند الحمدي لاستعادة التجربة بعد 36 سنة من اغتيال الرجل (المشروع والوطن ) في 11 أكتوبر 1977م ، إلا أن مرور أكثر من عامين ونصف من عمر الانتفاضة ، وسقوط مئات الشهداء والجرحى لا يزال يتعثر في المجيء بحمدي أخر رغم ما يبديه يمنيون من رجاء أحيانا في التقاط الرئيس هادي الفرصة في أن يكون كذلك دون الحاجة إلى تمديد لولاية ثانية .
الحمدي... حضور يزهر في الثورة
شاهدته يلف ساقيه المعقوفتين مع خط جسده بخفة شاب ،فيما (مشدته ) المزركشة الملفوفة على رأسه ، وملامح وجهه الداكن تشي إلى ستيني اقتات المعاناة منه طويلاً .
لم أجد ما أدرء به عنفاً ألمّ بي عند اصطدام جسده بجسدي في الزحام والظلام حد تمايلي سوى (مالك يا حاج ؟) جاء الرد عاجلاً (العفو يا بني أشتي الحق حفل الحمدي )، وقتها بلسم الجواب أوجاع عديدة تمنيت معه لو يعاود اصطدامه بي مرة ثانية .
كانت عقارب الزمن تشير إلى السابعة مساء الاثنين 13 يونيو 2011م أثناء ما كان هو يسير مسرعاً باتجاه منصة ساحة التغيير في صنعاء (حيث مكان الاحتفال بالذكرى 37 لحركة 13 يونيو التصحيحية ) ، وأنا واقفاً مابين كشك الجامعة والمنصة أتبادل مع زميل حديث حمضي عن حال ومستقبل الانتفاضة (المعوقة حالياً) .
لاحقاً قال لي أن اسمه سعيد حميد الإبي ( رجل من زمن الحمدي ) ، ليس من عادته الحضور إلى الساحة مساءً ، لكنه ما إن سمع عن احتفالية لها علاقة بالحمدي حتى ترك عمله في لوكندة شعبية في شارع 16 واقبل منتشياً بحبٍ قديم جديد للرئيس الشهيد .
والقمر ينتصف كبد السماء في أكمل وأبهى منازله ، كان قمر أخر ينتصف أفئدة الناس في الأرض يتلألأ مع إحياء شعب ذكرى 13 يونيو التصحيحية، ذكرى حياة مرت ولم تعد ، هكذا لاح الأمر في ناصية الانتفاضة الحي .
وقتها كانت قيادات كبيرة في هرم التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري تغيب عن المشهد ، والانتفاضة لا تزال في ذروتها لدرجة استنكار البعض ، ربما فضلت الاحتفال بالمناسبة على طريقتها في مأواها .
لم تمض سوى ساعة تقريباً حتى لمحت العم سعيد يتقدم زحمة جمهور الحفل الخطابي والفني ملاصقاً لساتر المنصة الحديدي وهو يهتف مع الجمهور بعينين دامعتين " يا حمدي عود عود ، شعبك يشحت في الحدود " ،دلت عليه (مشدته) وشيخوخته اللافتة للعيان.
لم يكن العم سعيد وحده من حرص على الحضور،الكثير من مجايليه وممن عاشوا زمن الحمدي غطى حضورهم مساحة متميزة بدت معه تلك الليلة مغايرة لليالٍ سبقتها من ليالي الانتفاضة ، ليلتها كان لافتاً تواري عناصر حزب الإصلاح عن الاحتفالية - إلا ممن يتولون مهمات مهاراتية - بعد أن أرخت قبضتها على المنصة والميكرفون ،وخلت الفرصة ليحل محلها شبان طلائع الناصري ليديرون الليلة باقتدار وإبهار فاجأ الجميع ،واكسب الانتفاضة زخماً وحماساً وطنياً وثورياً كشف عن ظمأ الانتفاضة والساحة للتداول السلمي للمايك وقيادة القطار .
ما سبق كانت صورة واحدة من صور عديدة ، ومشاهد متعددة ،بزغت في أحداث انتفاضة 11 فبراير الشبابية الشعبية السلمية في اليمن ظل الرئيس الإنسان إبراهيم محمد صالح الحمدي نموذجاً حياً بارزاً فيها بجلاء كتجسيد امثل لغايات المنتفضين المنشودة ،وتطلعاتهم المشرقة في ميادين وساحات التضحية من جانب ، وكتعبير أصيل عن قيم الوفاء والإنصاف لرجل اخلص للوطن والمواطن حد التضحية من جانب أخر .
أسماء كثيرة لقامات وطنية وإنسانية يمنية وعربية وعالمية سجلت بتكتيك وكلفة حضوراً شاسعاً في يوميات ووجدان الانتفاضة ، بيد أن الحمدي بقي فرادة يبرق حضوره عفوياً ،ويتوحد الجميع عنده على اختلاف مشاربهم السياسية والمناطقية والأسرية والمذهبية والعصبوية وتبايناتهم العمرية والفسيولوجية والعلمية والمهنية، الجميع كان يستحضر الحمدي سيرةً ونموذجاً كأبلغ تعبير لرفض نظام صالح وتجسيد أهداف الانتفاضة - يعدم في غيره من القامات على تسامقها تحقيق ذلك .
فتحي ..استيعاب اللحظة في صورة
بوعي الكاتب والشاعر والصحفي،وعلى غير ما يفعله المتشيعون لأشخاص هواهم يلتقط فتحي أبو النصر صورة مدنية للرئيس الحمدي ،ويحملها على ظهره بعد تدبيسها على جاكته الشخصي ،ويدور بها في ساحة التغيير في صنعاء كالمجاذيب واثق الخطى ، فيظهر حينها فتحي في وعي وضمير كثيرين ثورة حقيقية في مغزى صورة .
الموقف على تقبل الكثير له بافتتان ودهشة مع شي من التندر الرفيع ، إلا انه كان عميقاً في دلالته ورسالته، اختصر فيها فتحي كل شيء (أهداف الانتفاضة ،أحلام الشباب ،إرادة التغيير ،قلق اللحظة، دور المثقف ، تاريخ اليمن الجميل ، المستقبل المرجو ... )، حدث هذا في ابريل 2011م والانتفاضة في ذروتها.
قد يكون أراد أبو النصر أن يقول أيضا انه قادم من خلفية ناصرية ربما ،ويستند في تثوير فكره وجوارحه على فلسفة وتجربة حية يتطلع إلى استعادتها في خضم "الربيع اليمني " ، أو انه استشعر خطر الالتفاف على الانتفاضة فأراد قرع الأجراس مبكراً للانتباه ،فذات القوى التي اغتالت الرجل (الوطن والمشروع ) هي ذاتها مصدر الخطر على الانتفاضة ( تبين ذلك لاحقاً )،ربما هذا أو ذاك ، لكن ما كان ثابت هو حضور الحمدي القوي في فكر ونضال شاب لم يبلغ سن النضج حينما عاش الوطن أزهى مرحلة في تاريخه القديم والحديث .
حالياً يداوم فتحي الشاب والناشط في انتفاضة فبراير على الكتابة كثورة إزاء أحداث تقع هنا وهناك يحرص على أن يكون له فيها موقف متوازن وعادل،لا يلبث أن يتحول إلى هجاء لاذع وساخط على كل شيء من حوله ، مثله مثل قليلين ، لكنه ربما لن يجد اصدق وأنقى وابلغ من حمل ظهره ذات يوم صورة للحمدي واللف بها في ساحة التغيير ، كلغة تعبير أوصلت كل ما يريد أن يقوله باختصار .
الجعشني .. رمزية الوفاء المكدود
أيام وشهور مرت من عمر الانتفاضة في اليمن وهو لم يمل من حمل الصورة لساعات طويلة في اليوم الواحد بصمت وإيمان صلب ، وما من فعالية ترتفع فيها صورة الحمدي إلا وتجد انه ورائها ، لدرجة بدأ البعض يشفق عليه كلما رآه على ذاك الحال في النهار والليل.
لا يمكن لأي وافد أو مقيم في ساحة التغيير في صنعاء أن يفوته مشهد عبدالله الجعشني وهو بكفين وساعدين نحيلين يمسك بحامل خشبي تعلوه صورة " الرئيس الشهيد ابراهيم محمد الحمدي" كما هو مدون في هامش إحدى الصور التي داوم على رفعها والدوران بها في الساحة بانتظام عجيب ، كما لا يمكن لأي صاحب كاميرا أن يمر من أمام المشهد دون أن يعود منه بصورة والدعاء للحمدي بالرحمة وعيناه تفيضان بالدمع غالباً.
كثير هم من نهجوا نهجه والتقطت عدسات التلفزة الفضائية صوراً لهم وهم يحملون صوراً للحمدي مدنية وعسكرية ، لكن صاحبنا كان تعبير آخر وإحساس أخر وتميز آخر ، الرجل أصبح جزء من الساحة والمكان ، وملمح بارز من ملامح الإطاحة بنظام صالح ، وفي أحيان كثيرة يقدم نفسه بسلوكه ذاك كمفتون بالحمدي لدرجة التعب ، ما حدا بالبعض إلى إعلان الخشية من أن يغدو شهيداً آخر لحب الشهيد .
في إحدى المرات استوقفته مستسمحا التقاط صورة بعد أن تكرر مشهده وألفته ، قال لي وهو يرفع صورة مدنية للحمدي تتفرع من جانبها شاهدة ورقية مكتوب عليها "رحم الله الشرفاء" انه يشعر بارتياح بعمله ذاك ، و يجد فيه إنصافا لسنوات القهر والمعاناة التي ألحقها به حكم " علي صالح " كما يسميه .
عرفت منه انه بلا عمل، ولم يكمل تعليمه كما كان يحلم ،وان حياة قاسية تفرض عليه حصاراً اقسي ،والسبب كما يقول "علي صالح " ، وانه لو كان الحمدي لا يزال رئيسا لليمن لكان وضعه وحال آخرين من أمثاله أفضل بكثير مما هو عليه .
باختصار سرب لي الجعشني أملا كبيراً بتحسن وضعه بمجرد أن يرحل صالح من الحكم ، لكنه لم يقل لي كيف ذلك ، المهم انه سرب لي سراً وخلاص ،وهو يرتجف من الجوع وقت الظهيرة وصورة الحمدي عالية بمحاذاة جبينه تظلله من حر الشمس .
بحثت عنه لاحقا في ذات المكان الذي كان يحرص على الظهور به ، وسألت عنه العديد من الأصدقاء والزملاء والمعاريف لكنهم كانوا يؤكدون على إعجابهم بمشهده دون علم بمصيره .
فعلت ذلك وأنا على يقين أن حاله ربما زاد سوءً مع الارتهان لصفقة المبادرة وصعود حكومة الوفاق، وان أمله الذي سربه لي على حين غرة تبدد مع أول انحراف عن مسار الثورة الحقيقي.
عبدالرحمن الحمدي والضالعي والجرباني .. بركات الريس تمتد إلى الآل
يحضر الأخ الشقيق للرئيس الحمدي إلى ساحة التغيير في ذكرى اغتياله فتمتلئ الساحة بالحضور والإنصات لما يقوله الرجل التسعيني من حكاوي خاصة (بالريس) ، ويجدها المصور الفوتوغرافي المبدع محمد العماد فرصة سانحة لإطعام كأميرته الجسورة بأتحف الصور التي تكون سبباً بعد ذلك في زيادة عدد زوار صفحته على "الفيس بوك " وزيادة المعجبين الذين لا يجد أكثرهم برزخاً في نسخ ما تيسر منها ببراعة وإعادة نشرها بتصرف ، كل هذا لان المناسبة والضيف على علاقة وثقى بالحمدي .
يطول حديث عبدالرحمن الحمدي شقيق الرئيس الحمدي فيبدأ هو بالشعور بالتعب قبل الحضور الذي يصرخ "واصل واصل " غير مكترث بالمشقة ، وما إن يسدل الستار عن الفعالية ، ولم يشرع الناصريون المعدون لها بإقناع أنفسهم بنجاحها حتى يتقافز أعقل من في الجمهور إلى رأس وجسد شقيق الحمدي تقبيلاً كما يفعل المتمسحون بقبور الأولياء ، فيجد نفسه أمام احتفاء كبير لأول مرة ، يتمنى معه لو أن الانتفاضة ضد صالح وقعت في زمن مبكر، وصحته كانت أفضل مما هي عليه ساعتها.
لا يتوقف الأمر عند الأخ العجوز للشهيد الحي ، بل تمتد البركة لتصل آخرين من غير الأسرة فيجدها القيادي الناصري علي عبدالله الضالعي احد رفاق الشهيد سانحة لاستعادة رائحة من عبق الماضي ،والظهور بموقف الناصري الملتزم والوفي الحامل للمشروع ، وهو يرافق ويؤازر شقيق الحمدي في مهمة وطنية في الغسق .
في ضفة أخرى ووقت سابق يستعد اللواء نصار علي حسين الجرباني ( رئيس الجمهورية في حركة 15 أكتوبر الناصرية الانقلابية ضد صالح 1978م) للخروج من حالة الظل إلى الأضواء عبر إلقاء محاضرة في ذكرى 13 يونيو يستعرض فيها مواقف من حياة وسيرة الرئيس الحمدي مُذهبّة بحقائق انجازات مشهودة ، فتخذه نشوة الحديث وتطلع الأعناق إليه إلى تخطي الوقت المحدد له أضعافا ،والشاب العضو في اللجنة التنظيمية للثورة الشبابية الشعبية السلمية فخر العزب الواقف حينها خلف اللواء الجرباني كما لو انه حارسه الشخصي يومئ راجياً وقد قررت التقاط صورة للرجل بان تسعه الصورة مع رئيس جمهورية الناصرين ،وإرسالها على حسابه في الفيس فافعل بعدها دون شكر .
محمد .. الحب غير المكترث بالربح
على مدى أيامها الهادرة وفرت الانتفاضة - في واحدة من ايجابيتها - فرص عمل متنوعة في ساحات الحرية والتغيير اقتنصها عاطلون عن العمل للتكسب المعيشي من ناحية ،والتعبير من ناحية أخرى عن مشاركة ايجابية في صناعة الحدث ، اتسمت البعض منها بالتزامها بقيم ومقاصد الانتفاضة أكثر من التزامها بحصاد النقود.
فهذا يبيع صوراً ساخرة وظريفة لقيادات أطاحت بها ما تسمى " ثورات الربيع العربي " ،وأخرى لرموز وشخصيات حية وميتة ، وأخر يبيع صحفا ،وشعارات قماشية ،وأعلاماً وأوسمة وصور طازجة لشهداء الانتفاضة الدامية ، وذاك بواسطة عربية متحركة يبيع خيار تطل منها لافتة مكتوب فيها " الخيار ارحل " ، ورابع من داخل صندوق يبيع شاهي مكتوب على واجهته " شاهي الأحرار ذوق وكيف للثوار" .
الكل في فلك الانتفاضة والتطلع للتغيير سبح ، لكن محمد فتى السابعة عشرة ربيعاً القادم من ريف تعز إلى ساحة النضال كانت سباحته داعية لوقوف إجباري عنده ،وهو يذهب في نشاطه إلى ما هو اكبر من عمره ، ويشقر حضوره ببيع صور خاصة بالرئيس الحمدي ،وأخاه عبدالله فقط دون غيرهما (عبدالله الحمدي كان قائد لواء العمالقة والضحية الأولى لمأدبة الغداء الغادرة في بيت الغشمي قبل اغتيال أخيه إبراهيم في ذات اليوم ) إلى جانب أعلام اليمن ،على الرغم من أن بيع صوراً أخرى ممكن أن يدر عليه أرباحا مغرية ، رغم ذلك يعزف عنها بقناعة وطنية.
على مساحة متر في متر تقريبا في رصيف ساخن صباحاً بارد مساءً ما بين جولتي القادسية وبوابة الجامعة كان يفترش الفتى مكاناً يواظب على التواجد فيه لعرض بضاعته بأسعار زهيدة (يصل ثمن الصورة الواحدة اقل من ريالين سعودي ).
ما إن تبدأ تفتش في أسباب نشاطه النوعي حتى تجده يقرع وعيك بمفردات " كثيراً ما حدثني آبي عن الحمدي فحبيته ، اشعر انه هو الوطني الوحيد ولا يمكن نلاقي مثله " يقول محمد ذلك بحزن ، ويزيد " لا ثورة ولا تغيير ،ولا يمن جديد من دون الحمدي " .
لا يأبه محمد للربح بقدر ما يعتبر الأمر مشاركة في الانتفاضة على طريقته ، فهو يقول أن الناس تقبل على شراء صور الحمدي بسخاء ،ويكسب منها ما يعبر عن وفاء الناس للرجل وحبهم له ، " الربح الحقيقي هو هؤلاء الرجال " ، قالها ليس نقلاً عن والده بل عن وعي .
توكل ونوبل في "جمعة الحمدي"
تقرر اللجنة التنظيمية للثورة الشبابية الشعبية السلمية بعد اقتراح وكفاح ناصري مضنٍ تسمية إحدى الجُمع باسم " جمعة الشهيد الحمدي " ، وقع هذا في 7 أكتوبر 2011م - فيشهد شارع الستين الغربي في صنعاء حيث كان يحتشد شعب الانتفاضة ضد نظام صالح حضوراً جماهيرياً غير مسبوق في تاريخ جُمع الانتفاضة ، وما إن تغرب شمس ذلك اليوم الثوري الصاخب حتى تطالعنا الأخبار على نحو مدوي وواسع بفوز الناشطة في انتفاضة اليمن توكل كرمان بأكبر جائزة عالمياٍ ( نوبل للسلام بالمناصفة ) ، فيعلق احد الزملاء الصحفيين فور سماعه بالخبر " لقد بدا اسم الحمدي خير على توكل والإخوان المسلمين " ، يقول ذلك بينما أنا غارق في فك متلازمة إعلان لجنة التحكيم في النمسا فوز توكل بالجائزة في "جمعة الحمدي" .
لا تختلف أوضاعنا حالياً عن أوضاع ما قبل حركة 13 يونيو التصحيحية إلا بمزيد من البشاعة والمأساة الحاصلة اليوم بحسب الكاتب والمثقف العضوي عبدالباري طاهر منتصف يونيو الماضي ،ومع هذا تتعثر الانتفاضة بعد انقضاء أكثر من سنتين ونصف من عمرها ، وسقوط المئات من الشهداء والجرحى في الوصول باليمن إلى منطقة آمنة ، في حين استطاع الحمدي على جسارة التحديات وقصر فترته الرئاسية ( 3 سنوات و4 أشهر و28 يوما ) ، ومن دون سفك قطرة دم واحدة انجاز ما يتعثر فيه الملايين وقيادات العذاب، بيد انه لا يزال أمام الرئيس هادي "الحاكم بالمراسيم" بحسب تقرير لمجموعة الأزمات الدولية فرصة ليغدو حمدياً وتاريخاً أخر كما يرجو يمنيون يرفضون التمديد له لولاية ثانية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.