رئيس الوزراء اليمني ل«الشرق الأوسط»: إن السلام يتضاءل... والكهرباء تستهلك 30 % من الميزانية    نايف البكري يدشن صرف البطاقة الشخصية الذكية لموظفي وزارة الشباب والرياضة    ماذا قال السامعي و الكبوس والكميم ووزير الشباب    إعلان إماراتي بشأن اليمن عقب لقاء جمع مقرب من ''محمد بن زايد'' بمسؤول أمريكي كبير    المحكمة حسمت أمرها.. حكم بتنفيذ عقوبة ''القذف'' ضد فنانة مصرية شهيرة    ليفاندوفسكي يفشل في إنعاش خزائن بايرن ميونيخ    نادي جديد ينضم لسباق التعاقد مع اراوخو    هجوم صاروخي حوثي على سفينة قرب الحديدة.. وإعلان للبحرية البريطانية    رسميا.. برشلونة يتواجد بالتصنيف الأول في قرعة دوري أبطال أوروبا    الجيش الوطني يعلن إسقاط مسيّرة تابعة للمليشيات الإرهابية بمحافظة الجوف    وزير الأوقاف يحذر ميليشيا الحوثي الارهابية من تسييس الحج والسطو على أموال الحجاج    الجمهورية والوحدة    منع إقامة عرس جماعي في عمران لمخالفته تعليمات حوثية    - عاجل بنك اليمن الدولي سيرفع قضايا ضد عدد من الاشخاص ويكشف عن أصوله وراس ماله الحقيقي ويمتلك 1.5 مليار دولار موجودات و46مليار رأس مال كأكبر بنك يمني    الحوثيون يقيلوا موظفي المنافذ ويجرونهم للسجون بعد رفضهم السماح بدخول المبيدات المحظورة    مصر تحصل على عدد من راجمات صواريخ WS-2 بمدي 400 كم    منجز عظيم خانه الكثير    سبب انزعاجا للانتقالي ...الكشف عن سر ظهور الرئيس علي ناصر محمد في ذكرى الوحدة    الهلال يُشارك جمهوره فرحة التتويج بلقب الدوري في احتفالية استثنائية!    بمناسبة يوم الوحدة المغدور بها... كلمة لا بد منها    السفارة اليمنية في الأردن تحتفل بعيد الوحدة    محاولا اغتصابها...مشرف حوثي يعتدي على امرأة ويشعل غضب تعز    قيادي انتقالي: تجربة الوحدة بين الجنوب واليمن نكبة حقيقية لشعب الجنوب    "نهب حوثي مُنظم": سلب وكالاتٍ تجاريةٍ من أصحابها اليمنيين بأسعارٍ بخسة!    سموم الحوثيين تقتل براءة الطفولة: 200 طفل ضحايا تشوه خلقي    شاب سعودي طلب من عامل يمني تقليد محمد عبده وكاظم.. وحينما سمع صوته وأداءه كانت الصدمة! (فيديو)    الكشف عن القيادي الحوثي المسؤول عن إغراق السوق اليمني بالمبيدات المحظورة    تغاريد حرة .. الفساد لا يمزح    وزارة الشؤون الإجتماعية والعمل تقر تعديلات على لائحة إنشاء وتنظيم مكاتب التشغيل الخاصة    بيب يُعزّز مكانته كأحد أعظم مدربيّ العالم بِحصوله على جائزة أفضل مدربٍ في الدوري الإنجليزي!    رئيس انتقالي لحج يتفقد مستوى النظافة في مدينة الحوطة ويوجه بتنفيذ حملة نظافة طارئة    إجتماعات عسكرية لدول الخليج والولايات المتحدة في العاصمة السعودية الرياض مميز    للوحدويين.. صنعاء صارت كهنوتية    الهجري يتلقى التعازي في وفاة والده من محافظي محافظات    سيلفا: الصدارة هدفنا الدائم في الدوري الانكليزي    الحكومة اليمنية ترحب بقرار إسبانيا والنرويج وايرلندا الإعتراف بدولة فلسطين مميز    اليابان تسجل عجزاً تجارياً بلغ 3 مليارات دولار    رونالدو على رأس قائمة منتخب البرتغال في بطولة أمم أوروبا    نافذون حوثيون يسطون على مقبرة في بعدان شرق محافظة إب    إعدام رجل وامرأة في مارب.. والكشف عن التهمة الموجهة ضدهما (الأسماء)    ورحل نجم آخر من أسرة شيخنا العمراني    مفاتيح الجنان: أسرار استجابة الدعاء من هدي النبي الكريم    بطل صغير في عدن: طفل يضرب درسًا في الأمانة ويُكرم من قِبل مدير الأمن!    ما بين تهامة وحضرموت ومسمى الساحل الغربي والشرقي    إحصائية حكومية: 12 حالة وفاة ونحو 1000 إصابة بالكوليرا في تعز خلال أشهر    هل يمكن لبن مبارك ان يحدث انفراجة بملف الكهرباء بعدن؟!    أين نصيب عدن من 48 مليار دولار قيمة انتاج الملح في العالم    وهم القوة وسراب البقاء    "وثيقة" تكشف عن استخدام مركز الاورام جهاز المعجل الخطي فى المعالجة الإشعاعية بشكل مخالف وتحذر من تاثير ذلك على المرضى    وفاة طفلة نتيجة خطأ طبي خلال عملية استئصال اللوزتين    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



''المسند'' أساس لأول جامعة ومكتبة في التاريخ
نشر في المشهد اليمني يوم 23 - 02 - 2022

عندما اتجه "ويندل فليبس" للتنقيب عن الآثار اليمنية مطلع خمسينيات القرن المنصرم بالتنسيق مع الإمامة في مارب، لم يكن الأمر بالنسبة له اعتباطاً، بل كان مجيئه متلهفاً طامعاً بعد أن أثبتت الدراسات في مناطق مجاورة أن ثمة حضارة عظيمة هي الأصل والمصدر للكتابات المسندية المتفرقة التي وجدت في أماكن متفرقة شمالاً، وفي إفريقيا ومناطق متفرقة متاخمة للسواحل الإفريقية على الجهة الأوروبية غرباً.
منذ أول وهلة لتواجد الأئمة في اليمن حاول الرسيون، وما يزالون إلى اليوم، تجريف التاريخ اليمني وتحقيره، ومحاولة فرض أن تاريخ اليمن فقط يرتبط بالسلالة وتواجدها على التراب اليمنية واعتمدوا في ترسيخ ذلك على مرتكزات دينية تكفيرية لحضارات اليمن ما قبل الاسلام باسم الشرك والوثنية، ثم مرتكزات ثقافية اتجهت لمحو الفن اليمني قاطبة وتجريمه وتحويله إلى مدائح وأناشيد للآل، ثم الاتجاه للتحقير الاجتماعي القائم على تقسيم اليمنيين إلى طبقات دنيا ومحقرة مقابل طبقة استعلائية لها كل الاجلال والتقديس، وبها التقرب لله والشفاء والتداوي والإعانة على فعل الخير، وما دون ذلك هو شر مستطير، وقبل ذلك النسف العلمي والمعرفي لفكر اليمنيين من حيث احتكار التعليم بطبقة معينة هي الطبقة السلالية، ومنع اليمنيين من ذلك بغية تغييب العقل اليمني عن التفكير بمقابل أن يظل حبيس الجهل والعبودية للسلالة الكهنوتية.
لقد وجد الأمريكي فليبس ضالته بمساعدة الإمامة باسم "البحث والاستكشاف" والتي لا ولم يهمها الأمر في شيء، باستثناء البحث عن المصالح الذاتية، فالرحلة التي شقها ويندل إلى مارب لم تكن فقط محل إثبات علمي لحضارة عملاقة متوقعة مدعومة من جامعة كاليفورنيا الامريكية، ولكن كانت ايضا رحلة غرضها نهب الكنوز حيث تم سرقة الآلاف من القطع الاثارية، بعضها شواهد كبيرة وتماثيل بمباركة الإمامة السلالية، واللافت أن "لورانس العرب" حينها أجرى اتفاقا مع الإمام احمد يحيى حميد الدين بأن يتم تقاسم ما يكتشفه النصف بالنصف بينه وأحمد يحيى، غير أن ما حصل ان المكتشفات كلها اخذها فليبس على طائرته وشاحناته بمقابل مادي للنصف المكتشف الذي من المفترض اعطاؤه للامام احمد وفق الاتفاقية المبرمة بين الطرفين، والامام يفضل حصوله على المال بمقابل تماثيل واصنام وشواهد لا تخدم مملكته، ولا تشير لقدسيته وسلالته ولا تفيده ولا تتحدث عنه فيما سعرها باهظ ان بيعت افضل من وجودها مطمورة.
ظل فليبس في المواقع والمعابد في مارب يواصل التنقيب وسحب القطع منذ 1951 وحتى العام 1952، بصحبة فريقة المكون من نحو 50 فنيا وعالما وكان يريد ان يواصل لفترة أطول لولا تدخل مسلح من قبائل مارب تمكنت من طرد ويندل وفريقة.
يؤرخ البداية الأولى لخط المسند منذ الألف الثالث قبل الميلاد وقد مر المسند منذ ظهورة بأربع مراحل وفقا ل"موسوعة المحيط" هي:
- المرحلة الأولى: التي استخدمت "راتينج الأشجار في الكتابة على جدران الكهوف والمغارات التي استوطنها الإنسان اليمني القديم تعود للعصر البرونزي، حينها كانت الكتابة بشكل بسيط وبدائي وغير منتظم، وهناك توثيق لهذه الكتابة في كهف الميفاع الاثري بمحافظة البيضاء.
-المرحلة الثانية: اصبح فيها الخط اكثر انتظاما عن ذي قبل ظهرت الحروف بشكل زوايا وخطوط مستقيمة وذلك ما بين (1200-1500) قبل الميلاد وثق ذلك في لقى لاوان فخارية بمناطق "هجر بن حميد" و"هجر الريحاني" و"وادي الجوبة" بمأرب مكتوب عليها بحروف المسند أسماء أشخاص.
المرحلة الثالثة: كانت بالتزامن مع قيام وازدهار الممالك اليمنية القديمة في نهاية الالفية الثانية وبداية الألفية الأولى قبل الميلاد، حيث ظهرت الحروف بشكل أكثر حدة وانتظاما واتساقا، وهذه المرحلة تعرف بمرحلة النقوش المكتوبة بطريقة المحراث أو نقوش المكاربة.
-المرحلة الأخيرة: تميز فيها المسند بالزخرفة فظهر بأشكال متنوعة بلغ حد الرسم وبابداع وتمكن يفوق الوصف.
وقد أيد ايضاً وجود هذا المراحل لخط المسند الباحث صلاح اليعربي في كتابه الصادر عن كلية الشرق الاوسط 2013 باسم "خط المسند" والذي اشار ايضا إلى وجود فروع لخط المسند هي "اللحياني، والثمودي، والصفوي، والحبشي" ثم اخيراً "خط الجزم" الذي عرفه الباحث ب"الخط العربي الحالي"، مضيفا إن فرضية اشتقاق العربي من المسند ما تزال محل خلاف بين المهتمين بالخطوط.
واعتبر الباحث اليعربي أن تراجع الكتابة بخط المسند جاء لسببين مرتبطين بالديانات:
-الأول: اعتناق الحميريين للمسيحية في وقت هيمنت السريانية على اجزاء من الجزيرة اواسط القرن الرابع الميلادي.
-والثاني: ظهور الاسلام وانتشاره في شبه الجزيرة العربية، ليسهم ذلك في تراجع الاهتمام بالمسند وحل محله "خط الجزم" -الخط العربي الحالي- الذي كتب به القرآن الكريم.
المستشرق الألماني "مورتينز" فجر مفاجأة لم يسبقه أحد اليها إذ اعتبر أن اصل الكتابات القديمة في التاريخ ينحدر كله من الكتابة اليمنية.
وقد ورد في ملحق الجزء الأول من تاريخ ابن خلدون للكاتب شكيب أرسلان: «يذهب علماء الإفرنج ومنهم المستشرق مورتينز الألماني إلى أن أصل الكتابة بالحروف الهيروغليفية كان في اليمن، وهو يعتقد أن اليمانيين هم الذين اخترعوا الكتابة وليس الفينيقيين هم الذين اخترعوها كما هو الرأي المشهور، وهو يستدل على رأيه هذا ويقول إن الفينيقيين إنما بنوا كتابتهم على الكتابة العربية اليمانية، ثم إن اليونانيين أخذوا الكتابة عن الفينيقيين، وعنهم أخذ الرومانيون، فيكون اليمنيون هم الذين أوجدوا الكتابة في هذا العالم، وبهذا الاعتبار هم الذين أوجدوا المدنية».
في المرحلة الثانية من مراحل خط المسند والتي أعدها الباحثون أنها كانت اكثر انتظاما، وبالتحديد في العام 1400 قبل الميلاد، كانت الثورة المعرفية الهائلة للحضارة اليمنية التي لم يقتصر دورها على تدوين مآثرها فحسب ولكنها حققت قفزة علمية وثقافية سبقت فيها الكثير من حضارات العالم حينها وقد أنشات أول جامعة في التاريخ تضم اعظم مكتبة دونت علومها ومعارفها بخط المسند.
فقد كشفت بعثة المؤسسة الأمريكية لدراسة الانسان في "معبد أوام" الواقع في عاصمة الامبراطورية السبئية مأرب، أن تصميم المعبد يؤكد أنه كان جامعة تؤدي وظيفة تعليمية إلى جانب وظيفته الدينية، ووثقت البعثة وجود مكتبة علمية ضخمة في المعبد تحوي عشرات الكتب الصخرية المدونة بقلم المسند اليمني، موزعة فيما يشبه الرفوف على الجدران والارضيات والقواطع الجدارية، واستناداً على النقوش، فإن الكتب المسندية جمعت بين علوم الدين والسياسة، والاقتصاد، وشؤون الدولة، والمجتمع، وعلوم الزراعة والطب والهندسة.
واعتبر آثاريون ومختصون في شؤون التعليم، أن مبدأ الوظيفة التعليمية للمعابد السبئية استنسخه اليمنيون في العصر الاسلامي وطبقوه على وظائف المساجد، حتى غدت الجوامع جامعات، كجامعة جامع زبيد وجامعة جامع الجند وجامعة الجامع الكبير بصنعاء ثم بعد ذلك جامعة جامع الاشرفية، والتي درست علوم الدين، والحساب، والفلك، ثم تأثرت الحواضر العربية بمبدأ الوظيفة التعليمية لجوامع اليمن فشيدت جامع الأزهر، الذي غدا جامعة تدرس اغلب التخصصات، وجامع الزيتونة.
وأكد باحثون أن "معبد أوام" يعد اول جامعة بنيت في العالم وأن مكتبتها إحدى أهم ثلاث مكتبات في العالم.
انتشر الخط المسند في كل البقاع التي حطت فيها او بسطت يدها الحضارة اليمنية شرقا وغربا وشمالا، غير أن الكارثة أن ثمة استهدافا ظهر مؤخراً لمسمى المسند اليمني على اعتبار أنه "مسند عربي" كما يروج لذلك مثقفون واعلاميون في دول مجاورة، نعده محاولة سلخ المسند عن هويته اليمنية، من حيث أن المسند ليس له علاقة بالعربية، وله قواعده ولغته الخاصة، ووجد قبل الكتابة العربية، وكتب للغة مغايرة غير لغة العرب لاحقا، فيما اشتقت من المسند كتابات كثيرة، ثم إن مسألة أن الكتابة العربية جاءت من المسند ما تزال محل خلاف بين الباحثين والمهتمين في علوم وتاريخ الخطوط.
فيما ما يزال التجريف والاستهداف للحضارة اليمنية وتاريخها ككل من قبل السلالييين باقيا حتى اليوم إزاء سحق وتخريب الآثار أو تهريبها أو استهداف المتاحف اليمنية وقد تعرضت كثير منها للنهب أو القصف أو الحرق كما حصل مع متحفي عدن وتعز، فيما جرى ويجري تهريب قطع وشواهد اثارية من متاحف صنعاء، على سبيل الذكر منها لا الحصر، مخطوطة للتوراة خرجت رسمياً من مطار صنعاء الواقع تحت سيطرة المليشيا بالتنسيق مع الوكالة اليهودية للاستخبارات لتصل كإهداء لرئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو".
انطلاقاً من الأهمية التاريخية والحضارية والعلمية للمسند اليمني فقد سعى أكاديميون ومثقفون وناشطون وآثاريون لتسمية يوم 21 فبراير من كل عام ب"يوم المسند" وأطلقوا حملة في مواقع التواصل الاجتماعي لتعزيز ودعم هذا اليوم بالنشر المنهجي والعلمي لمراحل ظهور الخط المسند وانتشاره وأهميته، كأحد أهم الخطوط التاريخية في العالم، فيما انتشر بين ناشطين روابط لتحميل "كايبورد" خط المسند للكتابة به على الكمبيوتر في برنامج Word أو في الهاتف، وذلك احتفاءً بهذا الخط وإعادة إحيائه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.