لا يحتاج المراقب إلى بذل جهد استثنائي لملاحظة تصاعد التوتر الطائفي على ضفاف الخليج في الآونة الأخيرة، وخاصة بعد الانتكاسة في العلاقات الإيرانية السعودية، والتداعيات الأمنية والسياسية في العراق، وبوادر تقسيم اليمن على أسس مذهبية، ما قد ينذر بانفجار في منطقة حيوية بل وبالغة الحساسية على المستويين الإقليمي والدولي. بل إن التصعيد الطائفي بات قاسما مشتركا في بعض التطورات السياسية والإعلامية والقضائية، بفعل غياب الرؤية أو الإرادة السياسية أو كلتيهما اللازمتين لإخماد «نيران مذهبية» قادرة على أن تحرق الجميع. ويمثل الحكم في السعودية مؤخراً على رجل دين شيعي بالإعدام، أحدث حلقة في صراع سياسي بات صريحاً في طائفيته. وفي هذا الإطار بعث رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران هاشمي رفسنجاني أمس الأول رسالة إلى العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، طالباً منه إلغاء حكم الإعدام الصادر بحق الشيخ نمر باقر النمر. وقال في رسالته إن « الحيلولة دون إعدام النمر، من شأنه أن يفشل آمال من يريد أن يفرق المسلمين، ويعزز الوحدة بين المسلمين السنة والشيعة». وتوجه مباشرة إلى الملك السعودي قائلاً « المسلمون ينتظرون منك اتخاذ قرار لإيقاف الإعدام». وكانت محكمة سعودية قضت بإعدام نمر باقر النمر، الذي كان يحاكم بتهمة «إثارة الفتنة» في البلاد، وقالت المحكمة في حيثيات حكمها، عن النمر أن «شره لا ينقطع إلا بقتله»، وانه ادين بعدة تهم من بينها «الخروج على إمام المملكة والحاكم فيها خادم الحرمين الشريفين (عبد الله بن عبد العزيز) لقصد تفريق الأمة وإشاعة الفوضى وإسقاط الدولة». ولم ترد الحكومة السعودية على رسالة رفسنجاني، كما لم ترد على تهديدات سابقة من منظمات شيعية اقليمية بشن عمليات انتقامية في حالة تنفيذ حكم الاعدام بالنمر. وتعتبر ايران ان الحكم على النمر «طائفي»، وتنتقد غياب معايير العدالة في القضاء السعودي. الا ان حكومة طهران نفسها قامت باعدام الشابة ريحانة قبل يومين بتهمة قتل شخص قالت انه حاول اغتصابها، ورفضت انتقادات دولية مشابهة للقضاء الايراني. وتمثل هذه القضية اهمية خاصة، اذ تسعى طهران من ورائها الى توجيه رسالة تضامن مع الشيعة في المنطقة الشرقية السعودية، والاقليم، ما قد يشجعهم على تصعيد مطالبهم السياسية والدينية. كما انها تسعى من خلالها الى تثبيت «مظلة للحماية» فوق شيعة الاقليم، خاصة بعد دورها في دعم استيلاء الحوثيين على اجزاء واسعة من اليمن. بينما تود الرياض ان يكون اعدام الشيخ النمر بمثابة تحذير واضح، من انه ستكون هناك عواقب وخيمة لمن يفكر في العودة الى المظاهرات او الاحتجاجات العامة، وهي تعتبر ان تراجعها قد يقوض قدرتها على مواجهة اي اضطرابات في المستقبل. ولا يستبعد مراقبون ان طهران، المتشجعة مما حققت من مكاسب جيواستراتيجية مؤخرا، تخطط لجعل السعودية ساحة لمعركتها المقبلة، خاصة بعد وصول الحوثيين الى البحر الاحمر وسيطرتهم على باب المندب الاستراتيجي، ما يجعل المملكة عمليا واقعة داخل «كماشة ايرانية». وعلى المستوى الاعلامي، تتصاعد النبرة الطائفية في بعض وسائل الاعلام الرسمية او المدعومة من حكومات خليجية بشكل ملفت، ناهيك عن تكاثر القنوات الدينية السنية والشيعية المتطرفة التي لا تتورع عن تكفير الطرف الآخر على مدار الساعة، في اذكاء لنيران مشتعلة فعلا. ولا يتورع مسؤولون كبار عن اقحام رموز طائفية في السياقات السياسية، ومثال ذلك ما صرح به رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قبل يومين، من انه «يستلهم من الامام الحسين العزم في الحرب على داعش»، على الرغم من ان داعش ليست خطرا على طائفة دون غيرها، بل ان اغلب ضحاياها من السنة وليس الشيعة او المسيحيين. وجاءت تصريحات العبادي بعد ساعات من عودته من اول زيارة لطهران بعد توليه رئاسة الحكومة، وهو ما يثير اسئلة مشروعة ان كان الامر مجرد مصادفة. وان كان البعض سيجادل بان تلك التصريحات ليست سوى تكريس لواقع قائم بالفعل، اذ ان بعض الميلشيات المحاربة لداعش ترفع منذ شهور صور الحسين او العباس بدلا من العلم العراقي. لقد اصبح نزع «الطائفية» عن الصراعات السياسية او العسكرية او الاعلامية في منطقة الخليج التي تشبه برميل بارود حاجة ملحة، لوقف الانحدار الى اتون جحيم لن ينجو منه احد. وان كانت المعطيات الواقعية تجمع على صعوبة هذا، خاصة بعد ان تكرس «الاصطفاف الطائفي» اقليميا، ووجد ظهيرا دوليا، ونجح توظيف «الورقة الطائفية» اقليميا، في ان يعكس مسارات حروب، وان يستولي على بلاد، وان يكسب انتخابات، وان ينقذ انظمة متهاوية، وان يسقط اخرى.