ثلاث مرات في 24 ساعة: كابلات ضوئية تقطع الإنترنت في حضرموت وشبوة!    ترتيبات حوثية بصنعاء بعد إعلان مصرع الرئيس الإيراني وتعميم من "الجهات العليا"    غاتوزو يقترب من تدريب التعاون السعودي    أول تعليق أمريكي بشأن علاقة واشنطن بإسقاط مروحية الرئيس الإيراني    الإرياني: استمرار إخفاء مليشيا الحوثي للسياسي قحطان جريمة نكراء تستوجب تدخل أممي    إعلان هام من سفارة الجمهورية في العاصمة السعودية الرياض    منظمة التعاون الإسلامي تعرب عن قلقها إزاء العنف ضد الأقلية المسلمة (الروهينغا) في ميانمار    مجلس التعاون الخليجي يؤكد موقفه الداعم لجهود السلام في اليمن وفقاً للمرجعيات الثلاث مميز    لابورتا وتشافي سيجتمعان بعد نهاية مباراة اشبيلية في الليغا    رسميا.. كاف يحيل فوضى الكونفيدرالية للتحقيق    الصين تبقي على اسعار الفائدة الرئيسي للقروض دون تغيير    منتخب الشباب يقيم معسكره الداخلي استعدادا لبطولة غرب آسيا    البرغوثي يرحب بقرار مكتب المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية مميز    اتحاد الطلبة اليمنيين في ماليزيا يحتفل بالعيد ال 34 للوحدة اليمنية    وفاة محتجز في سجون الحوثيين بعد سبع سنوات من اعتقاله مميز    قيادات سياسية وحزبية وسفراء تُعزي رئيس الكتلة البرلمانية للإصلاح في وفاة والده    اشتراكي الضالع ينعي الرفيق المناضل رشاد ابو اصبع    مع اقتراب الموعد.. البنك المركزي يحسم موقفه النهائي من قرار نقل البنوك إلى عدن.. ويوجه رسالة لإدارات البنوك    مأساة في حجة.. وفاة طفلين شقيقين غرقًا في خزان مياه    لماذا صراخ دكان آل عفاش من التقارب الجنوبي العربي التهامي    بن مبارك بعد مئة يوم... فشل أم إفشال!!    الجوانب الانسانية المتفاقمة تتطلّب قرارات استثنائية    وفاة طفلة نتيجة خطأ طبي خلال عملية استئصال اللوزتين    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    عبد الله البردوني.. الضرير الذي أبصر بعيونه اليمن    هجوم حوثي مباغت ومقتل عدد من ''قوات درع الوطن'' عقب وصول تعزيزات ضخمة جنوبي اليمن    تغير مفاجئ في أسعار صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية    أرتيتا.. بطل غير متوج في ملاعب البريميرليج    الريال يخسر نجمه في نهائي الأبطال    انفراد.. "يمنات" ينشر النتائج التي توصلت إليها لجنة برلمانية في تحقيقها بشأن المبيدات    مدارس حضرموت تُقفل أبوابها: إضراب المعلمين يُحوّل العام الدراسي إلى سراب والتربية تفرض الاختبارات    كنوز اليمن تحت رحمة اللصوص: الحوثيون ينهبون مقبرة أثرية في ذمار    أول رئيس إيراني يخضع لعقوبات أمريكا . فمن هو إبراهيم رئيسي ؟    قادم من سلطنة عمان.. تطور خطير وصيد نوعي في قبضة الشرعية وإعلان رسمي بشأنه    الدوري الفرنسي : PSG يتخطى ميتز    غموض يحيط بمصير الرئيس الايراني ومسؤولين اخرين بعد فقدان مروحية كانوا يستقلونها    الجامعة العربية: أمن الطاقة يعد قضية جوهرية لتأثيرها المباشر على النمو الاقتصادي    إلى متى نتحمل فساد وجرائم اشقائنا اليمنيين في عدن    ارتفاع حصيلة العدوان الاسرائيلي على غزة إلى 35,456 شهيداً و 79,476 مصابا    وزير المياه والبيئة يبحث مع المدير القطري ل (اليونبس) جهود التنسيق والتعاون المشترك مميز    رئيس هيئة النقل البري يتفقد العمل في فرع الهيئة بمحافظة تعز مميز    رئيس الهيئة العليا للإصلاح يعزي الهجري في وفاة والده    تقرير: نزوح قرابة 7 آلاف شخص منذ مطلع العام الجاري    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    نهائي نارى: الترجي والأهلي يتعادلان سلباً في مباراة الذهاب - من سيُتوج بطلاً؟    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لم أكن أنوي الدخول في المجال الفني وكانت مسألة الغناء مجرد هواية لا أكثر ودخولي إلى الندوة الموسيقية العدنية جاءت بالمصادفة
الفنان محمد مرشد ناجي ل ( الجمهورية ) :
نشر في الجمهورية يوم 29 - 05 - 2012


( الحلقة الرابعة )
ملخص ما نشر
في الحلقات الثلاث الماضية واصل الفنان محمد مرشد ناجي حديث ذكرياته الشائق، فبعد استعراضه لحياة الطفولة والشباب والدراسة والعمل في الخارج وحصوله على شهادة العمل وكذا بداية العمل في ريف أبين مع السطان الفضلي ثم استقالته والعمل مدرساً في مدرسة النهضة ثم العودة مع السلطان عبدالله بن عثمان وبقائه متنقلاً بين عدن وأبين وشقرة وهي فترة عاشها وشهد خلالها الكثير عن حياة السلاطين والحكم في زمن الاستعمار ودور الاستعمار في التدخل في شئونهم وهي التجربة التي عاشها الفنان المرشدي لقربه من شخوصها وسفره معهم إلى الخارج في رحلته التي أسماها رحلة العمر ثم عودته بعدها ليلتحق بوظيفة في شركة شل بعد نضال مرير مع الوظيفة الحلم إلى يوم الاستقلال الوطني.
مشوار جميل .. كان مجرد هواية
.. بعد رحلة العذاب مع الوظيفة إذا ماذا عن الجانب الفني؟ حدثنا عن مشوار حياتك أيضاً في هذا المجال؟ وكيف البدايات؟ وماذا تحتفظ ذاكرة (المرشدي) من تفاصيل بعد هذا المشوار الفني الجميل؟
ما أريد قوله في هذا المجال هو أنني في بداية حياتي لم أكن أنوي أن أدخل المجال الفني وكانت مسألة الجانب الغنائي غير موجودة في بالي كمهنة بل هي مجرد هواية لا أكثر ليس عندي فقط، ولكن عند معظم أعضاء الندوة الموسيقية العدنية الذين كانوا من كبار الموظفين البعض منهم توازي درجته الوظيفية مرتبة الوزير فيما يسمى اليوم – لأن الانجليز في آخر أيام احتلالهم لعدن لم تكن توجد لديهم مناصب وزارية، بل كانت هناك توجد مناصب إدارية كمدير الصحة أو المعارف إلخ... وهي تعادل مرتبة الوزير في عصرنا الحاضر.. ومع هؤلاء المدراء الذين كانوا أعضاء في ندوة الموسيقى العدنية، بل وعلى رأسهم الأستاذ خليل محمد خليل والذي هو أيضاً كان يشغل وظيفة مدير سجن عدن.
وحكايتي مع الغناء والانضمام إلى هذه الندوة جاءت من قبيل المصادفة ذلك أني وكما أسلفت أن ممارستي للغناء كانت مجرد هواية أو على سبيل مشاركة الأصدقاء أو نظير عائد مادي تجبرني ظروفي العائلية القاسية على قبولها وهي نادرة جداً ولكن في بواكير الشباب وبعد دخولي مجال العمل أقلعت عن الغناء (الحرفي) النادر عند الحاجة والذي كنت أمارسه بين أصدقائي على سبيل الهواية.
وفي ذات ليلة من ليالي رمضان العام 1951 وفي جلسة قصيرة نظمتها المصادفة مع الصديق الفقيد الشاعر المرحوم إدريس أحمد حنبلة في بيتي المجاور لبيته، وكنت وقتها في إجازة من عملي في أبين أقترح على الانضمام إلى (ندوة الموسيقى العدنية) وكان هو عضواً فيها، ووصف لي الندوة بأنها عبارة عن مجموعة من هواة الغناء ويمارسونه على سبيل الهواية وليس الاحتراف وذكر الأسماء واستمهلته للتفكير في الأمر وفي تلك الفترة كانت هذه الندوة حديث الصحافة المحلية لأسلوبها الغنائي المتجدد المسمى وقتها بالاغنية العدنية ومحاولتها الخروج بالأغنية من الجمود الذي اعتراها، بعد وفاة القمندان في لحج، وفي لقاء آخر مع الشاعر الأستاذ إدريس حنبلة قبلت الاقتراح فذهبت معه وانضممت إلى الندوة على اعتبار أنها ضمت أعضاء من الناس الكبار الذين ليست لهم علاقة بالمطربين حينها الذين يغنون في الأعراس والمخادر والأماكن العامة.
بل هم من كبار الموظفين.. بعد ذلك قمت بزيارة إلى الندوة في (كريتر) بعد أن سبقني إليها إدريس حنبله بتقديم ورقة الطلب واستقبلني الأستاذ خليل محمد خليل أطال الله في بقائه بود وترحيب كبيرين وقدمني للحاضرين، فرداً فرداً إذ لم تسبق معرفتي بأحد منهم سوى الأستاذ عبدالله حامد خليفة وقد سبقت معرفتي به في جلسات فنية كان يقيمها والدنا الشيخ صالح حسن تركي في مكتبه لتعلم اللغة الانجليزية كما قدمت وكنت أنا والأستاذ خليفة نتناوب على عزف العود والغناء وشيخنا يعزف على الكمنجة ويغني أحياناً معنا، وكان يقول للأستاذ خليفة هذا الولد أتوقع له إذا استمر في الغناء أن يصبح مشهوراً وكان يحظى بعناية في التعليم بين الفينة والفينة.
حكاية أول لحن .. أول أغنية
.. إذاً حدثنا عن بداية أول لحن؟ وما هي ظروفه ومتى كان ذلك؟
حكايتي مع أول لحن تمتد إلى بدايات الخمسينيات عندما طرح علي بعض الأصدقاء فكرة التلحين وكان من بينهم الصديق الكبير والعزيز الراحل محمد سعيد جرادة الذي تحمس للفكرة وفعلاً قام بكتابة قصيدة الأغنية ورغم عدم تفكير في طرق باب هذا المجال إلا أنني أخذت من الشاعر محمد جرادة القصيدة وحينها كنت أعمل سكرتيراً مع السلطان في أبين ولكن قبل الحديث عن قصة هذه الأغنية وتلحينها أحب أولاً أن أشير إلى أنه كانت عندي بدايات أو قل قراءات في مجال التلحين وأساسيات أولية وذلك من خلال اطلاعي على التراث وحفظي للكثير من الأحاديث عن هذا المجال حيث كنت مهتماً بكل ما يقال ويكتب في مجالات التلحين وغيره من الأشياء الفنية والموسيقية ومن ضمن ذلك جميع أحاديث الموسيقار الراحل محمد عبدالوهاب الذي كنت أتابع كل أحاديثه وأقوم بتسجيلها واستمرت هذه العادة إلى وقت قريب للاستفادة منها والاستفادة من تجاربه في كيفية تلحين القصيدة الشعرية.
هذا إلى جانب ما أحفظه من المخزون التراثي الغنائي اليمني بمختلف أنواعه وكذلك التراث الغنائي العربي وما كان سائداً في حينها من الأغاني التي كنت أغنيها لكبار الفنانين العرب أمثال كارم محمود فريد، فريد الأطرش وغيرها.
ونعود إلى حكاية أول لحن قدمته وكما ذكرت لك سابقاً أخذت القصيدة من الشاعر الجرادة وقمت بحفظ مطلعها وقد استمر هذا الفعل معي في معظم ألحاني فيما بعد في أن آخذ مطلع قصيدة الأغنية وأحفظه ثم أترك المسألة للوقت حتى يأتي الخاطر اللحني وليس من عادتي الاعتكاف والجلوس على العود والإصرار على التلحين هكذا بالقوة ولا أعتقد أن هناك ملحناً يقول (خلاص) اليوم سأخزن وسأقوم بتلحين هذه القصيدة فاللحن مثله مثل كتابة القصيدة الشعرية يأتي في لحظة إلهام وعلى الملحن أو الشاعر التقاط هذه اللحظة والعمل فيها وهذا ما كان مع قصيدة جرادة وقفة وكل ما فعلته حينها حفظي لمطلعها القائل:
هي وقفة لي لست أنسى
أذكرها أنا والحبيب
واستمررت في عملي في أبين وكان لدي هناك منزل جميل وشاعري وبعد عدة أيام وأنا أردد مطلع هذه القصيدة جاء الخاطر وطلع لحن هذا المطلع واستمررت عليه حتى اكملته ولم أكن كما قلت أعرف مقامات التلحين إلا ما كنت أعرفه من قراءاتي وفطرتي لذلك بعد أن أكملت تلحين المطلع كان علي أن أدخل إلى المقاطع الأخرى من القصيدة كاملاً ودون أن أعرف أنا هذا المطلع من مقام الراصد وهذا المطلع الآخر من المقام الفلاني لأنني لم أكن أعرف مثل هذه الأمور وإنما قادتني إليها فطرتي وأحاسيسي فقط.
ذكريات جميلة لاستقبال رهيب لا ينسى
.. كيف استقبل الجمهور هذا اللحن وما هي مشاعرك وأنت تغني أول أغانيك وأول ألحانك أمام الجماهير؟
الحديث عن ذكرياتي مع هذا اللحن جميلة جداً ولكن باختصار أقول إنه وبعد أن اكتمل لحن أغنية وقفة عدت إلى عدن بعد فترة من جلستي الأولى مع أصدقائي وغنيتها لهم فنالت اعجابهم وشجعوني على ذلك الامر الذي جعلني أن أتقدم به إلى الندوة الموسيقية في عدن وصادف أنه كانت هناك حفلة تقيمها الندوة في نادي المعلمين ومعروف أن جمهور هذا النادي هم من صفوة ومثقفي المجتمع من المدرسين في المدرسة المتوسطة والابتدائية إلى مدير المعارف ونائبه وغيرهم من الجمهور المتعلم والمثقف الذين كانوا حاضرين في هذه الحفلة التي لا أذكر السنة التي أقيمت فيها ولكنها كانت قبل تأسيس الإذاعة في عدن.
وهي الحفلة التي غنيت فيها لأول مرة حيث بدأ الفنان خليل محمد خليل وصلته ثم جاء دوري وأمام الناس الذين كنت بالفعل لا أعرفهم وهم كذلك لأنني كنت معروفاً وسط الأصدقاء فقط في الشيخ عثمان وليس في عدن وبرغم ذلك كان الاستقبال لهذه الأغنية رهيباً ولم أكن أتصوره وهذه الأغنية هي الوحيدة التي مازلت أحفظ كلماتها كاملة إلى اليوم لأنني لا أحفظ جميع كلمات أغنياتي ولكن هذه الأغنية بالفعل لها ذكريات جميلة عندي ولأنها نالت استحسان الناس وظلت كلماتها محفورة في قلوبهم وعقولهم ووجداناتهم إلى يومنا هذا وأنا أندهش بل وانتعش لهذا لأن الواحد عندما يغني وسط محيط راقٍ يعد ناسه هم صفوة المجتمع فهذا شيء غير عادي فما بالك عندما تغني لهم وتجد هذا الجمهور يسمع المطرب بكل جوارحه وعقله وتفكيره يسمع بإنصات الكلمة ومعناها النغمة وعذوبتها ورنة العود ومداعبة أوتاره بهدوء وهذا ما أسعدني وأثلج صدري وقد ذكرني هذا لمجالس صنعاء فأنا أرتاح لمثل هذه المجالس حيث يطلب مني أن أغني فيها أغنية أو أغنيتين فقط لا أكثر وعندما غنيتها أي أغنية وقفة في أحد هذه المجالس في صنعاء سألني واحد من الحاضرين هل هذه الأغنية من الألحان الجديدة لك وعندما أجبته بأن هذه الأغنية هي أول أغنية لي وأول لحن أندهش فلم يصدق أن هذه الأغنية وهذا اللحن كان ميلاده في العام 1951م وكم أسعدني هذا بأن الناس بعد كل هذه السنوات الممتدة تسمع هذا اللحن وتعجب به وبكلمات الأغنية وكأنها تسمعها لأول مرة.
سر الإبداع الحقيقي
..ما هو السر في ذلك؟
اللحن له دخل في هذا الموضوع وكذا الكلمات وموضوع الأغنية أيضاً لأنه لم تكن هناك أغنية بمثل هذه المعاني والمفردات واللحن المختلف كل الأشياء فيها جديدة وهذا هو كما أعتقد الذي حصل مع هذه الأغنية.. وكما قلت الأعمال الإبداعية تأتي مرة واحدة ولها مراحلها وإن كانت هناك أعمال إبداعية أخرى شبيهة في إبداعاتها بسابقاتها محتم أن مواضيعها مختلفة وكذلك أيضاً مراحل ولادتها وهكذا هو الفن والإبداع الحقيقي.
وعلى سبيل المثال أغنية «من غير ليه» للشاعر الغنائي المقتدر مرسي جميل عزيز التي اشتراها منه الفنان محمد عبدالوهاب استغرق في تلحينها في حدود ثلاث سنوات وهذا سمعته أنا من حديث للشاعر نفسه والذي ذكر أن عبدالوهاب اتصل به لأكثر من مرة وأقسم أنه لم يبع له أي قصيدة بعد هذه ولو بعشرين ألف جنيه لماذا لأن عبدالوهاب طلب منه أكثر من مرة وفي فترات متباعدة أن يعدل في بعض كلمات القصيدة وهذا ليس من عادة عبدالوهاب أن يطول في تلحين أغانيه مثل هذه الفترة وأنا أؤكد بحكم تجربتي الخاصة أن الملحن أي ملحن إذا ما أراد أن يلحن أغنية حب في سن حياته المتأخرة يجد في ذلك صعوبة جداً لماذا لأنه لم يعد هو نفسه يعيش نفس التجربة وهذا ما حصل مع الفنان الكبير الموسيقار محمد عبدالوهاب في أغنية من غير ليه التي استغرقت منه في لحنها مدة ثلاث سنوات بينما لعبدالوهاب ألحان لقصائد غرامية لم تستغرق ألحانها مدة أسبوع لا أكثر وهكذا أيضاً اعتزل في النهاية الحفلات لأنها تقسم ظهره.
لا أريد أن ظلم عدن
..هل كان هذا اللحن إلى جانب ألحان أخرى ظهرت في تلك الفترة بداية لتأسيس أغنية جديدة بعيداً عن رتاب] الألحان الغنائية اليمنية القديمة أو كبداية لتأسيس أغنية عدنية مثلاً؟
ليس هكذا فإذا قلنا أغنية عدنية معناه أننا اسقطنا عدن من كل شيء خذ الأغاني التي غنيتها ستجد ألحانها أكثر من لون لحني وغنائي وهذا ليس فقط على مستوى الأغاني المختلفة بل وفي إطار الأغنية الواحدة فعلى سبيل المثال لو استمعت لأغنية عرفت الحب ستجد فيها أكثر من لون غنائي ستجد فيها العربي والصنعاني واللحجي كلها مجتمعة داخل الأغنية الواحدة وقس على ذلك بعض الأغاني الأخرى وحقيقة لا أريد الحديث كثيراً حول هذه الأغنية على اعتبار أنها من اغنياتي والشخص يجد صعوبة في الحديث عن نفسه ولكن هذا فقط على سبيل المثال وللآخرين الحكم في ذلك من أصحاب الذائقة الموسيقية والعارفين ببواطن الألحان والغناء وأصوله.
..كيف تقيم هذه المرحلة مرحلة التأسيس أو بمعنى آخر ظهور الأغنية الجديدة في عدن؟ ومن هم الرواد لهذا الجديد والأكثر إسهاماً في تأسيس هذا اللون الغنائي الجديد؟
لم يستطع أحد مواصلة الغناء من كل ذلك الكم الهائل من الفنانين إلا قلة ومنهم محدثكم والفنان محمد سعد عبدالله وأحمد قاسم وهذا الأخير لولا معاندته لكنت أنا أيضاً تركت مجال الغناء منذ البداية وهذه حقيقة لأني لم أر رجلاً عنيداً مثل الفنان أحمد قاسم وعناده لأنه لم يعرف من التراث الغنائي اليمني ولا ألوانه أي شيء ومع ذلك فهو الوحيد الذي صمد صمود الأبطال وإلا لكان مصيره مصير بقية المطربين الآخرين في تلك الفترة.
لماذا لأن الناس تريد أن تسمع ألواناً غنائية يمنية سواء في داخل الوطن أو في خارجه فهو لو كان أحمد قاسم يعرف شيئاً من ألوان التراث الغنائي اليمني لكان أول من رحل إلى الخارج مثله مثل غيره من الفنانين أمثال الفنان أبوبكر سالم بلفقيه والفنان عبدالرب إدريس وبالفعل لو كان يعرف شيئاً من هذا التراث لكان سيحصل على مجال واسع مثلهم بل وأكبر منهم هذه هي مشكلة الفنان أحمد قاسم فقد معرفته بالتراث الموسيقى اليمني وهي مشكلته الوحيدة لذلك اضطر للجلوس في عدن برغم محاولاته للخروج في أكثر من مرة ولكنه كان في كل مرة دائماً يعود إلى عدن كفنان محترف أما الفنان الكبير محمد سعد عبدالله فهو من الفنانين الذين تقدر تقول إنهم احترفوا الغناء واستطاع المواصلة فيه فهو فنان ملحن قادر ومتميز في أغانيه لماذا؟ لأنه كما قلت عنده امكانيات موسيقية ويحفظ الكثير من التراث الغنائي اليمني وهو مازال صغيراً عند الأستاذ الجراش وهو الذي علمه العود هذا بالإضافة أن والده الفنان سعد عبدالله كان مطرباً فصار محمد سعد منذ أن كان صغيراً يغني في المخادر ويحفظ الأغاني العربية لذلك عندما احترف الغناء والتلحين صار متميزاً واستطاع البقاء كفنان محترف ولم يستطع البقاء في عدن من الفنانين من الكم الهائل من الفنانين إلا هو والفنان أحمد قاسم كفنانين محترفين لكن البقية وأنا واحد منهم لم نكن محترفين للغناء بل لنا وظائفنا ولكن هؤلاء الفنانين والذين كان عددهم يتجاوز العشرين فناناً توقفوا واحداً تلو الآخر ولم يستطيعوا مواصلة الغناء منذ العام 57م أمثال خليل محمد خليل وياسين شواله، يحيى مكي، أبوبكر فارع وسالم بامدهف وغيرهم .
لماذا؟
لأن هؤلاء لم تكن لديهم أية معرفة بالتراث الموسيقي اليمني ولا العربي لذلك هم أفلسوه في بداية مشوارهم الفني وكل ما لديهم طروحوه في بضعة أغانٍ وانتهت المسألة.. بالرغم أن الندوة الموسيقية العدنية لعبت دوراً كبيراً في ظهور الأغنية الجديدة باحتوائها كثيراً من الفنانين الذين انضموا إليها وظهروا هنا وهناك ولكن كما ذكرت لم يبق من المنتمين إليها إلا القليل كفنانين لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة وهم من ذكرتهم لك سابقاً وفي هذا المقام أتذكر أنه أيضاً قامت ندوة أخرى تسمى رابطة الموسيقى وهي الرابطة التي أسسها الأستاذ حسين والذي استدعى سالم بامدهف ومطرباً من حضرموت هو علي السقاف والفنان محمد سعد عبدالله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.