مأساة في حجة.. وفاة طفلين شقيقين غرقًا في خزان مياه    لماذا صراخ دكان آل عفاش من التقارب الجنوبي العربي التهامي    بن مبارك بعد مئة يوم... فشل أم إفشال!!    البنك المركزي يذكّر بالموعد النهائي لاستكمال نقل البنوك ويناقش الإجراءات بحق المخالفين    الجوانب الانسانية المتفاقمة تتطلّب قرارات استثنائية    وفاة طفلة نتيجة خطأ طبي خلال عملية استئصال اللوزتين    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    عبد الله البردوني.. الضرير الذي أبصر بعيونه اليمن    مكاتب الإصلاح بالمحافظات تعزي رئيس الكتلة البرلمانية في وفاة والده    الثالث خلال أشهر.. وفاة مختطف لدى مليشيا الحوثي الإرهابية    هجوم حوثي مباغت ومقتل عدد من ''قوات درع الوطن'' عقب وصول تعزيزات ضخمة جنوبي اليمن    تغير مفاجئ في أسعار صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية    أقرب صورة للرئيس الإيراني ''إبراهيم رئيسي'' بعد مقتله .. وثقتها الكاميرات أثناء انتشال جثمانه    الريال يخسر نجمه في نهائي الأبطال    بعثة اليمن تصل السعودية استعدادا لمواجهة البحرين    انفراد.. "يمنات" ينشر النتائج التي توصلت إليها لجنة برلمانية في تحقيقها بشأن المبيدات    مدرب مفاجئ يعود إلى طاولة برشلونة    ماذا يحدث في إيران بعد وفاة الرئيس ''إبراهيم رئيسي''؟    عودة خدمة الإنترنت والاتصالات في مناطق بوادي حضرموت بعد انقطاع دام ساعات    مدارس حضرموت تُقفل أبوابها: إضراب المعلمين يُحوّل العام الدراسي إلى سراب والتربية تفرض الاختبارات    كنوز اليمن تحت رحمة اللصوص: الحوثيون ينهبون مقبرة أثرية في ذمار    قادم من سلطنة عمان.. تطور خطير وصيد نوعي في قبضة الشرعية وإعلان رسمي بشأنه    أول فيديو من موقع سقوط طائرة الرئيس الإيراني ووصول فريق الإنقاذ "شاهد"    الدوري الفرنسي : PSG يتخطى ميتز    هادي هيج: الرئاسة أبلغت المبعوث الأممي أن زيارة قحطان قبل أي تفاوض    الليغا .. سقوط البطل المتوج ريال مدريد في فخ التعادل وفوز برشلونة بثلاثية    تناقض حوثي مفضوح حول مصير قحطان    غموض يحيط بمصير الرئيس الايراني ومسؤولين اخرين بعد فقدان مروحية كانوا يستقلونها    قبيل مواجهة البحرين.. المنتخب الوطني يقيم معسكر خارجي في الدمام السعودية    إنتر ميامي يتغلب على دي سي يونايتد ويحتفظ بالصدارة    إلى متى نتحمل فساد وجرائم اشقائنا اليمنيين في عدن    ارتفاع حصيلة العدوان الاسرائيلي على غزة إلى 35,456 شهيداً و 79,476 مصابا    الجامعة العربية: أمن الطاقة يعد قضية جوهرية لتأثيرها المباشر على النمو الاقتصادي    وزير المياه والبيئة يبحث مع المدير القطري ل (اليونبس) جهود التنسيق والتعاون المشترك مميز    عدن.. وزير الصحة يفتتح ورشة عمل تحديد احتياجات المرافق الصحية    رئيس هيئة النقل البري يتفقد العمل في فرع الهيئة بمحافظة تعز مميز    رئيس الهيئة العليا للإصلاح يعزي الهجري في وفاة والده    تقرير: نزوح قرابة 7 آلاف شخص منذ مطلع العام الجاري    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    نهائي دوري ابطال افريقيا .. التعادل يحسم لقاء الذهاب بين الاهلي المصري والترجي التونسي    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    جريمة لا تُغتفر: أب يزهق روح ابنه في إب بوحشية مستخدما الفأس!    دعوات تحريضية للاصطياد في الماء العكر .. تحذيرات للشرعية من تداعيات تفاقم الأوضاع بعدن !    الاستاذة جوهرة حمود تعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقة    الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد تصدر توضيحًا بشأن تحليق طائرة في سماء عدن    الجيش الأمريكي: لا إصابات باستهداف سفينة يونانية بصاروخ حوثي    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طبيعة وتشكيل التجربة لدى الشاعر حسن الشرفي
الشعر بوصفه مغامرة :
نشر في الجمهورية يوم 13 - 02 - 2007


الشاعر / حسن الشرفي
في الشعر ثمة روح أزلية عظمى تتساكن في اللغة يستمد منها الشاعر ُ حقيقته في اللحظة/ في الوجود ،وهو بين ما كان من الشعر وما سيكون واقعاً في المنتصف ... بما معه من ملكات وخبرات يبحث دوماً عن نفسه .. ومؤسسا لكينونته في اللغة.
الشاعر حسن الشرفي ... أحد شعراء اليمن منذ ستينات القرن العشرين الحاضرين فيه وحتى ما شاء الله .... والشرفي نفسه يكون احد الشعراء الكبار في هذا اليمن المليء بالشعر والشعراء .
وهو بحساسية بالغة يعي وجوده في هذه اللحظة الفارقة للقصيدة العربية وتحولاتها الجمالية، وموقع الشعر والأدب عموماً في الثقافة اليوم ... بمتغيراتها ومستجدات محفزاتها للذائقة الشعرية ... التي لم تعد الأذن والإيقاع والصورة السمعية والذاكرة-هي كل الشريان الموصل للعلاقة بالشعر .. ثمة انتقاله بالذائقة الشعرية العربية من هناك .. حيث خضوع القول الشعري لسياقات اجتماعية وثقافية وتقاليد فنية لا يشف عنها الشاعر .. ولا يتوقع الذهاب بعيداً عنها المتلقي والناقد ،ويكون تميز الشاعر بداخلها ومن خلالها إنما في التنويع عليها... بتمردات وانزياحات تظل علامة الشاعر وخصوصيته بين أقرانه ومجايلية وسابقيه ... الذي حدث من ثم ... ومنذ منتصف القرن التاسع عشر زحزح مركزية الشعر في الثقافة العربية وفي مجال الذائقة التي اتسعت على فضاء الصورة الذي ترفده الطباعة والترجمة والصحف ،والفنون الأخرى والفلسفات ،والتيارات النقدية ... التي ندين بها للآخر.... فكانت الرواية والمسرحية والسينما ،والقصة القصيرة من متلازمات انتقال الإنسان العربي لمجتمع المدينة في طورها الأولي ....، تزحزحت كذلك علاقة الشاعر بالسلطة السياسية ،والبلاط وهبط الشعر من عليائه النخبوية ومنابرها .. بالذهاب نحو قارئ لا متعين إلى الناس، بسطاءهم ،ومثقفيهم.. وخوض صراع الهوية وقضايا الصراع مع الأجنبي وقادت تململات الشكل الشعري إلى الخروج على العمود.. الذي لم يقف عند أعتاب شعر الإحيائيين ،وشعر التفعيلة ... وصولاً إلى قصيدة النثر.
وكانت اليمن وأدباؤها في هذا كله تصغي .. وتقتحم .. وتواكب .... وتبدع وتضيف ...، حسن عبدالله الشرفي منذ منتصف الستينات ظل في متن الفاعلية الشعرية اليمنية والعربية ممسكا بعمود الشعر .. ومتصالحا مع الجديد .. مضيفا هنا.. ومتجدداً هناك .. فنراه يجاري الرومانسيين والكلاسيكيين ومدرسة الواقعية الثورية ... وبرهافة عالية ونادرة يستجيب للأحداث والمواقف ويوثق لها .. فينفعل ويعبر بخفة ورشاقة عن صيرورة الإنسان اليمني ، وتطلعاته وانكساراته فنراه يجسد الفن في ثورية قصيدة العشق للوطن والثورة والأنثى، والطبيعة والإنسان في اليمن وفلسطين والعراق والعالم يكون شاهداً على تحولات الرؤية للذات وللعالم... من منظور جمالي قيمي جديد ومحافظ في آنٍ ففي مقام الأنثى نراه ذلك العاشق الكبير المتوله يجترح من اللحظات ما يستعيد به قارئه كل شعراء العشق في كل التجارب والعصور تمتزج في قصائده للعشق والأنثى الغنائية العذبة مع النفس التصوفي ،والمكابدة مع التجريد للقول الشعري إلى الحكاية وشعر الموقف الحسي التي يشهد لها المكان وتاريخ الكتابة سيمائياً ودلاليا.
والشرفي لمن يدري بغزارة إنتاجة - لر بما يكون أكثر شعراء اليمن الكبار - إنتاجا وهو شاعر يتجدد في نصوصه.... وينوع من حيث الشكل والرؤية التي تنعكس على طول النفس الشعري ... صدى واستجابة في اللاشعور للحدث/ المناسبة.. التي تشكل الدافع للكتابة.. فجزالة القصيدة وطولها. ونوعية البحر الشعري تستجيب عادة لحدث جلل موقف وطني، رحيل عزيز - الفجيعة بشاعر أو صديق عزيز وهنا تكفى الإشارة لمراثي الشاعر الكبير حسن الشرفي لشعراء كبار : البردوني وهي قرابة 16 قصيدة متنوعة، نزار قباني - الجواهري - البياتي ، كذلك أحداث الانتفاضة - لبنان - العراق الخ.. ،وكذلك القصائد الوطنية المطولة في ثورة (سبتمبر -22 مايو ... الخ).
إن اتصال الشرفي بملكوته الشعري الرحب ،والإخلاص بكليته إلى كل ما في الكون من حوله ...يجعل منه ومن تجربته ذات قابلية قصوى للاستجابة والكتابة والتأثر ومفاجأة القارئ بجديد.
ترمومتر الشاعر حسن الشرفي ،وتدفقه الشعري البديع غير المقيد بزمان أو مكان أو حدث يفسر - لربما -حضوره في الواقع الأدبي والإبداعي ،والاجتماعي من خلال:
1-شعر المناسبة والحدث والموقف النقدي الثوري الوطني والقومي والإنساني
2-شعر الأنثى ، بتنويعاته التي تحددها عدة عوامل: درجة التأثر وما يسمى بصدق التجربة في الموقف الباعث - المستوى الثقافي والذهني للطرف المخاطب والمستهدف بالنص ثم نوعية المطبوعة أو المنبر الذي يحددها الشاعر للنشر.. ، من الملاحظ أن القصائد التي ينشرها الشاعر الكبير في ملحق الثورة الثقافي الأسبوعي منذ قرابة العام 1996م .. هي غير تلك التي كان ينشرها في ملحق الجمهورية .. ومن ثم الجمهورية الثقافية ،قصراً وطولاً ،وهي غير القصائد التي كان ينشرها في الأمة، لاختلاف الموضوع الباعث والقارئ المستهدف بالنص.
3-الأخوانيات والمراسلات الشعرية للأصدقاء .. الذين يبادلهم الشاعر مشاعر الحب والصداقة.. بقصائد بعضها يحمل عنوان المهدى إليه ،وبعضها يحمل إهداء بجانب العنوان - أو في الهامش، وقد يكون ذلك الشخص أو الصديق جزءاً من النص ورموزه (الأماكن - الأزمنة) وقد يكون جزءاً من السياق العام الفكري للقصيدة، وقد يهدي الشاعر القصيدة لأكثر من شخص كما في قصيدة (( جواب رسالة)) المهداة إلى عبدالوهاب الشهاري وإبراهيم الحضراني وعلي عبدالرحمن جحاف والقصيدة موجودة في المجلد الأول ًًًًًًًًًص206،وقصيدة سماء وارض في المجلد نفسه تضمن مرثاة إلى الشعراء : أبو القصب الشلال وعبدالعزيز البغدادي ومحمد المنصور .
4-القصائد الموجهة للشعراء ،ترتبط غالباً بحدث معين أو موقف عن مستوى ونوعية العلاقة، والمعرفة الشخصية والحضور الإبداعي وهذه الخصوصية التي ينفرد بها أو يكاد شاعر كحسن الشرفي ،وفي مثل مكانته تكشف عن إنسانية الشاعر ودماثة أخلاقه .. وتذهب بالقصيدة لديه مذهب الرسالة الشعرية .. وتجسيد فلسفة في مشاعية الفن وكسر حواجز الأيديولوجيا واختصار الغياب الحسي والمكاني وتمثل شكلاً من أشكال الاتصال داخل الخطاب الشعري ... ،يوسع الشاعر من خلالها دائرة القراء للشعر ومحدثا بذلك اختراقاً في أوساط اجتماعية وإيديولوجية مختلفة ... متجاوزاً بذلك الشعور بالعز له المضروبة حول المبدعين الكبار وهو في طليعتهم ...، ولعل من المفيد الإشارة إلى أن استقرار الشاعر في مدينة المحابشة لأكثر من ثلاثين عاماً بعيداً عن العاصمة صنعاء وأدبائها وشعرائها وصحفها .. قد أسهم في ذلك الميل إلى اعتبار القصيدة الشعرية شكلا من أشكال الاتصال بالآخرين .. تعلن عن وجود الأنا الشعرية الفاعلة إلى عناية الشاعر بإضافة الإهداءات والنصوص الموازية ،والحرص على إثبات زمن ومكان الكتابة في معظم النصوص الشعرية التي أبدعها.. التجربة الشعرية الفنية الممتدة للشاعر حسن الشرفي تنبني على إحساس الشاعر بالمتغيرات من حوله ( في الوطن ،والعالم) ... وتستجيب لقدرة هائلة بداخلة على الكتابة من غير تصنع.. فهو من حيث التصنيف النقدي العربي القديم للشعراء ينتمي إلى فئة الشعراء المطبوعين .. الذين تأتي القصيدة لديهم تلقائية دونما ميل إلى التصنع والصناعة .. وإنما هي وحدة فنية واحدة، دفعه كيانيه تطلقها المخيلة إلى فضاء الورق تعانق حياتها وصيرورتها ،وتترك بصمتها الخاصة بالشاعر .
إن هاجس الاتصال بالآخرين/ القراء ،الذي تعلن عنه الذات الشاعرة تتحكم فيه - إضافة إلى ما أشرنا من فاعليات -الأجواء الثقافية والسياسية والإيديولوجية السائدة،والتي تجد صداها لدى الشاعر الشرفي وقصيدته التي تقترب من حدث ما أو تبتعد وفقاً لتقديرات يراها الشاعر .. بمعنى أن مراكمة التجربة وبنائها ينم عن وعي بالشرط الثقافي القائم ،فصمت الشاعر عن النشر من عدمه،واختيار المطبوعة والوسيلة ،وكثافة الغموض الشعري من عدمه في النص ترتبط بذلك الوعي الذي لا يغيب عن الشاعر بل تؤكد موقفه السياسي، والاجتماعي والوطني في سياق معين يفسر مثلاً جمع عدد معين من القصائد وإصدارها تحت عنوان (( الهروب الكبير )) عام 1996م وفيه جمع معظم قصائد فترة ما عرف بالأزمه السياسية التي انتهت بحرب 1994م.
كذلك فإن إصدار الشاعر عام 1995م لديوان بعنوان (( البردوني )) جمع فيه القصائد التي كان البردوني موضوعها أثناء حياته أو بعد رحيله يعبر عن موقف الشاعر الذي ينتصر للبردوني ولحرية الإبداع إدراكاً من الشاعر للتجاهل الرسمي المتخلف من البردوني بكل ما يمثله من قيم إبداعية وفكرية ووطنية كبرى.. وكأنما الشرفي بذلك ينتصر لنفسه وللشعر والإبداع بذلك النوع من الوفاء للإبداع كقيمة .. وللمبدعين كمعبرين وحاملين لهذه القيم الخالدة .. ، ومما له دلالة ان يضمن الشرفي ديوان البردوني قصيدة وحيدة لشاعر آخر هو الشاعر الراحل عبدالله عبدالوهاب نعمان.. الذي أثرى القصيدة الشعرية الغنائية والوطنية في اليمن بوجدانية فنية عالية، ونعمان عرضه كالبردوني وغيرة من الشعراء للتجاهل والنسيان المتعمد.
القصيدة الشعبية جمالية مضافة
يدرك الشاعر الشرفي في تجربته الغنية المدى المحدود الذي يمكن لتجربة شعر الفصحى أن يخترق رأسيا وأفقياً جمهور القراء ومعظمهم أميّ للأسف ... كما يدرك الشرفي - بحكم النشأة والعيش الطويل في الريف ... والاتصال بروح الإنسان البسيط وغنى تجاربة الحياتية...، ما تمثله القصيدة الشعبية بتلويناتها المختلفة وامكاناتها مما أمكن للشرفي استثمار جماليات لغتها البسيطة . . وأفكارها ورواءها وصورها الباعثة على الدهشة .. من هنا كانت قصائده الشعبية التي يسميها العامية والتي يمثل قسم منها تجارب شعرية حوارية مع شعراء آخرين - معروفين ومغمورين -تتصل وثيقاً بشئون الإنسان ،والوطن،والعلاقات الإنسانية والاجتماعية وغير ذلك مما ينهض به الشعر في مستواه الشعبي النابض بالحياة.
لقد أمكن للشاعر حسن عبدالله الشرفي أن يكون عنواناً وعلامة في الشعر الشعبي مثلما هو الحال في الفصيح ..، وكثير من قصائده الشعبية ذات الميل العاطفي والاجتماعي والسياسي تسربت إلى وجدانات الناس وذائقتهم ، ومنها ما تم تلحينها وغنائها .. ولا أظن أحدا من الناس لم يطرب ويتفاعل مع أغنيه ((مطر... مطر )) التي أبدع شدوها الفنان الكبير أيوب طارش .
وكان ملحوظاً تجنب الشاعر حسن الشرفي تضمين قصائده الشعبية في مجموعاته الشعرية الأولى ( من الغابة- الوان من زهور الحب - أصابع النجوم وأحلام الشواطئ -سهيل وأحزان الحق عدا القليل منها .
وقد فسر الأمر الشاعر حسن الشرفي تفسيراً ظريفاً بقوله لمجموعة من الأصدقاء كنت احدهم ذات يوم أنه يخاف على شعره الفصيح من قصائده الشعبية التي لقيت استحسان مختلف القراء، والأصدقاء المقربين بل ومجاهرة البعض بتفضيلها على القصيدة الفصحى لديه ، من ذلك المنطلق وحرصاً من الشاعر على عدم الجمع بين شعره الفصيح والعامّي، عمد إلى إصدار النوع الأخير منفرداً في مجموعتين شعريتين في عامين متتاليين (2001،2002م) وهما أقواس علان (1) وأقواس علان(2) ...، وفي حرص الشاعر على صدورهما بخطه الأنيق .. مفتحا بذلك مسلكا فنيا وجماليا يفيد من الشكل البصري للخط وعاد لإصدار معظم قصائده الشعبية في المجلد السادس من الأعمال الكاملة عام2005م وفيه معظم قصائده الشعبية - الشاعر لا يتردد في مقدمة مجموعته الشعرية ( أقواس علان) من أن يسجل اعترافاًً يدين فيه لهذا اللون الشعري المعروف بالشعبي بتشكيل الفطرة الشعرية الأولية لديه يقول الشرفي في مقدمته ( وبعد تجاوز بعض الإشكالات في الوعي وصلت إلى قناعة تامة تقول - إن أركان الوجود خمسة : الحب ، البحر ،المطر ،المرأة ،الشعر ،والشعر أولاً، ومع الشعر بالعامية : بالات ،مواويل ،مهاجل ،رزفات ،كانت البداية ،حين ارتبطت بالطبيعة ،وبالمراهقة ،بتلك العلاقة التي لاحت في شاعر يتها البكر في المرعي في يوم مشمس بعد مطر صيف خصب الزرع والضرع بين النحلة والعنقود)) (1).
الشاعر بعين التجربة
وإذا كانت حساسية الشاعر الفنية والجمالية المدهشة واستعداده الفطري والتلقائي للتعبير الشعري...، والتنويع عليه قصائد : ( فصحى -شعبية) ( عمودية _تفعيلية ) ( مطولات - قصيرة) وفي إطار كل من تلك التشكلات .. تنويعات أيضا على الموضوع الشعري : الحب - الوطنيات -القصائد القومية - المراثي -الاخوانية- المعارضات الشعرية - الهجاء والنقد... الخ.
هذا التنوع والثراء يجعلنا نضع الشاعر الشرفي في المستوى الاحترافي لأي كاتب عمود يومي قدير لصحيفة ما .... مع إنتماء كل من الشعر والمقالة لعالمين مختلفين من أوجه كثيرة.
إن إخلاصي الشرفي للشعر لخصه هو بقوله (إنني إنسان عرف نفسه في الشعر وبالشعر )) (2) .
فهو عالمه الذي يتشكل العالم فيه ومن خلاله وليس العكس فلسان حاله أبداً :
أنا عاشق تدري الحروف شجاعة
أني نذرت لها دمي ولساني (3)
وله كذلك نظرته للشعر والعالم وللتاريخ والوجود وللعلاقة الاعتباطية بالقارئ:
يا قارئي قل عن حروفي إنها
كتل من الاسمنت ( والخرصان)
قل إنها ليست من الإبداع في شيء
ولا إبداع في الهذيان
إني رضيت بها لنفسي فاغتفر
ذنبي وحسبي صدقها وكفاني
يا طالما نفسّت عن كربي بها
وشكوت منفرداً لها أحزاني
يا طالما ناجيت فيها غربتي
والهم من أقطاره يغشاني(4)
ولربما نتساءل عن نوعية القارئ الذي يخاطبه الشاعر في النص .. تاركا له حرية أن يؤول شعره كيفما أراد .. فالشعر قبل كل شيء إبداع فردي ومغامرة محسوبة لدى شاعرنا يحد ثنا عنها في إحدى مقدماته لإحدى دواوينه الصادرة عام2002م ... أي بعد قرابة الخمسين عاماً من الممارسة الشعرية،وتراكم الخبرات الجمالية والفنية يقول الشرفي (( الشعر مغامرة،لكنه مغامرة جديرة بخوضها على أساس من التقنيات المدهشة في المخيلة وفي اللغة ،وفي تعدد الصور والملامح،وعلى أساس نوعي من الذوق ومن الفهم العميق للشعر ))(5) والشرفي عبر تلك الأفكار يزاوج بين وعي الحداثة بطبيعة الشعر واعتبارها تجريباً مستمراً وتجاوزاً وخروجاً على السائد ... وبين مراعاة الذوق الجمالي ،وبين الفهم العميق للشعر .. بمعنى الاحترافية والإخلاص له وبمعنى يفترض عدم حدوث القطيعة بين التجديد وبين ثقافة الشعر العربي وجمالياته ومفاهيمه النقدية ... ولعل المتتبع والقارئ لتجربة الشاعر يجد فيها ما يبرر المجاهرة بتلك الآراء من قبل الشاعر الذي يحاول -كأنما - أن يقدم للقارئ بعض العلامات للدخول لتجربته ... ،ومن بين ما نشير إليه على صعيد التمثيل لذلك الوعي لشروط الكتابة لدى الشاعر حسن الشرفي وضمن نصوصه مجموعته الشعرية (( عيون القصائد )) الصادرة عام 2001م والتي تتآزر فيها نصوص التفعيلة المدورة ذات المخي البصري المتميز في التشكيل والدلالة وهي تتألف في فضاء شعري مع القصائد العمودية التي تخاطب الأنثى -غالباً والملحوظ الأبرز على مستوى سطح التجربة في هذه المجموعة حفاوة الشاعر بالأنثى التي تستغرق القول الشعري وتكاد تكون هي القصيدة ،يصعب الفصل بينهما ...، ومنذ العنوان (( عيون القصائد)) تنفتح الدلالة العنوانية على تنويعات أخرى مستمدة منها مباشرة : فثلاث قصائد من قصائد المجموعة ورد فيها مفردة القصيدة: قصيدة السفرجل - قصيدة الفراشة - قصائد السفر -إضافة إلى أن قصيدة رابعة حملت اسم المجموعة ((عيون القصائد )) جاءت في مقدمه قصائد المجموعة وترتيبها الثالثة منها. وبملاحظة تلك العناوين التي تحمل طابع التركيب الاستعاري نجد أن (مفردة قصيدة) التي هي نكرة يتم تعريفها بالإضافة مع كلمة ترمز إلى الأنثى ( السفرجل - الفراشة) وفي عناوين القصائد الأخرى لا تبتعد الدلالة عن بؤرة المعني المركزي ( الأنثى القصيدة) فدلاله الاحتفاء بالشعر كفن والمرادف لوجود الشاعر تتسع داخل المتن الشعري في معظم النصوص حينما يشار إلى ( القصيدة- الوزن - البحر - القافية- النغم -الخ) أو حين يهدي الشاعر حسن الشرفي قصيدة للشاعر علوان مهدي الجيلاني .. ومرة ثانية يحتفي شعراً بصدور ديوان شعري له ،وتستطرد الدلالة المتنامية والكلية على العلاقة بين الشعر والقصيدة باستقرائنا للوحة الأنثى في الغلاف.. الخارجي الأول كما بتقارب الفترة الزمنية لكتابة القصائد في هذه المجموعة التي معظمها كتب بين ( 1995-2000م) وفي أماكن تستحوذ صنعاء - كفضاء للتجربة- على القسم الأكبر منها تليها ( المحابشه ) ثم ( المفتاح ) ثم ( الشاهل ) بقصيده وحيده .
هندسة التجربة
بد هي جداً اليوم في ضوء الوعي بالحداثة الشعرية وطريقه تشكلها والتخطيط المسبق لها وانفتاحها على الفنون التشكيلية ونظريات علم النفس أن تكون العناية بشكل العمل الفني في صميم البنية الفنية والدلالية للنص باعتباره اختيارا للشاعر نفسه، وتعبيراً عن وعي الشاعر بتجربته ،وشكل العلاقة التي يريدها .. مع القارئ ... على اعتبار آخر يرى بأن الكتاب المطبوع منتوج سلعي تسهم طريقة الإعداد والإخراج والطباعة له وتسويقه في إيصال الرسالة إلى المتلقي ،لقد أحدثت عملية التحول نحو استثمار الشكل البصري في الكتابة الشعرية ،ودخول عنصر الفن التشكيلي في النتاج الأدبي مضامين جديدة في انفتاح الفنون على بعضها الذي حدث عبر عدة مراحل ... لم تكد تبلغها إلا القليل من التجارب الشعرية في اليمن فلقد ظل هاجس الشعراء والمبدعين الغالب هو الاهتمام بالمحتوى النصي ... وإخراجه للقارئ ... فيما ظل شكل إخراج الكتاب مؤجلاً أو ثانويا.. تتولاه دور النشر خارج اليمن التي تيسرت للبعض دون البعض الآخر ،مما أدى في الغالب لأن يكون معظم مبدعينا في اليمن محايدين إزاء الشكل الفني الإخراجي لنتاجهم المطبوع ومنهم الشاعر حسن عبدالله الشرفي الذي كان محكوماً بظروف العيش خارج المدينة فانصب حرصه على جمع وتوثيق قصائده ونشرها بما يفوق اهتمامه بالنواحي الفنية الأخرى المتصلة بالشكل الخارجي، للكتاب .. والتي نلاحظها في الدواوين الأخيرة التي أصدرها الشاعر من صنعاء. وإذ يعتبر البعض النقدي علاقة الشكل بالمضمون علاقة وجود يصعب الفصل بينهما... فإن الشاعر حسن الشرفي... يولي بنية القصيدة جل اهتمامه ومن المفيد الإصغاء إليه يتحدث عن تجربته لبناء القصيدة من الداخل ففيما يشبه البوح بأسرار الصنعة يقول الشرفي مخاطباً القارئ من خلال التوجه بالحديث لصديقة : ((أمنح المجال أمام القصيدة لتشكيل فضاءها من الداخل بأسلوبها الفني واللغوي الخاص ،ثم حاول أن تظل طرفاً خفيف الظل في عملية البناء ،وإذا وجدت أن محاولتك تشكل نشازاً في الإيقاع أو في السياق، فلا شيء أجمل من أن تعلن أن أدواتك لم تكتمل بعد وأن مهاراتك في تلك اللحظة غير كافية، وأن خطواتك على سلم الشعر وأنت بتلك الحال يكتنفها الكثير من الاحتمالات السيئة)(6).
إن هذا الاقتباس يوضح المدى الذي يوليه الشاعر للبناء الداخلي للنص من خلال تجربته هو التي ينقلها إلى القارئ ... هذا القارئ الافتراضي أو المحدد سلفاً - حرص الشاعر حسن الشرفي أن يظل علاقته به قائمه ،ومتنامية فعلى مدى قرابة الخمسين عاماً . أكد الشرفي حضوره بوسائل رافقت الإنتقالة من المنبر وشعر المناسبات والإذاعة إلى شعر البوح والتأمل والتجربة الخاصة عبر الصحف والمجلات، ومن ثم لطباعة أولى أعمالة (من الغابة) عام (1978م) بدار العودة في بيروت.. وتتالت صدور المجموعات الشعرية تباعاً .. ومنذ العام 1996م وبعد أن أصبحت إمكانات الطباعة ميسورة بدأ الشرفي إصدار سلسلة أجزاء أعماله الكاملة... وآخر ها صدور الجزء السادس عام2005م متضمناً القصائد الخاصة بالشعر الشعبي أو شعر العامية كما يسميه.
وبين بدء صدور أولى دواوينه.. وآخر ها ثمة ملاحظات وتساؤلات يمكن لقارئ ومتتبع الشاعر الكبير حسن الشرفي أن يتساءلها في نفسه أو يجهر بها .. لا تعني الشاعر وحده بقدر ما تعني الثقافة في اليمن والمؤسسات والجهات الرسمية التي تدعي أنها مسئولة عن الثقافة والإبداع كنتاج يستحق الاهتمام والرعاية من تلك التساؤلات:
لماذا رغم شهرة الشرفي وقيمة ما يكتبه ظل عبء طباعة أعمالة منوطا به وبأصدقائه الكرام سيما مجموعاته الشعرية الأولى وأعماله الكاملة التي صدر الجزء الأول منها عام 1996م.. والتي تميزت على صعيد الشكل والإخراج بالتقليدية وغياب التناسق والتناسب بين المتن الشعري وألوان الغلاف والخ.
ناهيك عن انعدام الاستفادة من الحقوق الفكرية المفترض وجودها وعودتها بالنفع على الأديب.
-واتصالاً بما سبق يتساءل القارئ القريب من تجربة الشاعر حسن الشرفي عن معنى تعدد الجهات التي صدرت عنها أعماله خارج وداخل اليمن على نحو لافت وعن معنى تقارب صدور بعضها بالنسبة للتجربة والذي يتضح من خلال هذا الرصد.
1-دار العودة -بيروت 3مجموعات شعرية (1978م-1979م)
2-مطابع عكرمة -دمشق مجموعتان شعريتان(1985م)
3- دار آزال -بيروت مجموعتان شعريتان(198م)
4-دار الثقافة -بغداد مجموعة شعرية (1994م)
5-التوجيه المعنوي -صنعاء مجموعة شعرية (1996م)
6-مجد للدراسة والنشر -بيروت المجلد الأول والثاني والثالث من الأعمال الكاملة (1996-1997م)
7-مطابع معين -صنعاء مجموعة شعرية (2000م)
8- مطابع المفضل -صنعاء مجموعتان شعريتان (2000م)
9-الهيئة العامة للكتاب -صنعاء مجموعة شعرية (2001م)
10-مؤسسة الإبداع -صنعاء مجموعة شعرية (2001م)
11- مركز عبادي -صنعاء مجموعة شعرية (2002م)
12- مركز عبادي -صنعاء مجموعة شعرية (2002م)
13- مركز عبادي -صنعاء المجلد الرابع للأعمال الكاملة (2003م)
14 مركز عبادي -صنعاء المجلد الخامس (2004م)
15-ديوان البردوني -صنعاء ديوان شعر (2005م)
إن دلالة ذلك تشخص مأساة الإبداع في اليمن الذي لا يجد ما يوازيه من اهتمام رسمي ودور نشر وتوزيع تجسد محنة الثقافة ومحنة المبدعين الكبار ونتاجهم الإبداعي ، ويشفع للشاعر حسن الشرفي أن ذلك التوزيع الزمني لنتاجه الشعري الذي جاء عفوياً ،وأماكن وجهات إصداره. المتفرقة ناجم عن إصراره على إيصال إبداعه للقارئ بالوسيلة المتاحة والممكنة.. وإن على حساب التخطيط المسبق للتجربة ،ورسم ملامحها وتشكلها في الواقع الإبداعي اليمني والعربي والإنساني .
الإحالات
1-حسن عبدالله الشرفي -أقواس علان (1) صادر في صنعاء بمطبعة المفضل عام 200م ط1ص3.
1-حسن عبدالله الشرفي -مقدمة ديوان (( نبات الثريا)) الصادر عن دار عبادي بصنعاء ط1 عام2002م .
3-الاستشهاد الشعري هذا من قصيدة مطولة بعنوان(( مقدم )) -المجلد الأول من الأعمال الكاملة -الصادر في بيروت -مجد للدراسات والنشر ،ويثبت الشاعر زمن كتابه القصيدة في المحابشة 20/5/1989م.
4- نفسه
- مقدمة ديوان نبات الثريا ص9
6-نفسه ص10


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.