"وثيقة" تكشف عن استخدام مركز الاورام جهاز المعجل الخطي فى المعالجة الإشعاعية بشكل مخالف وتحذر من تاثير ذلك على المرضى    الكشف رسميا عن سبب تحطم مروحية الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ومقتله ومن معه    مجلس النواب يجمد مناقشة تقرير المبيدات بعد كلمة المشاط ولقائه بقيادة وزارة الزراعة ولجنة المبيدات    غاتوزو يقترب من تدريب التعاون السعودي    ثلاث مرات في 24 ساعة: كابلات ضوئية تقطع الإنترنت في حضرموت وشبوة!    أول تعليق أمريكي بشأن علاقة واشنطن بإسقاط مروحية الرئيس الإيراني    إعلان هام من سفارة الجمهورية في العاصمة السعودية الرياض    الإرياني: استمرار إخفاء مليشيا الحوثي للسياسي قحطان جريمة نكراء تستوجب تدخل أممي    مجلس التعاون الخليجي يؤكد موقفه الداعم لجهود السلام في اليمن وفقاً للمرجعيات الثلاث مميز    لابورتا وتشافي سيجتمعان بعد نهاية مباراة اشبيلية في الليغا    رسميا.. كاف يحيل فوضى الكونفيدرالية للتحقيق    الصين تبقي على اسعار الفائدة الرئيسي للقروض دون تغيير    منظمة التعاون الإسلامي تعرب عن قلقها إزاء العنف ضد الأقلية المسلمة (الروهينغا) في ميانمار    منتخب الشباب يقيم معسكره الداخلي استعدادا لبطولة غرب آسيا    اتحاد الطلبة اليمنيين في ماليزيا يحتفل بالعيد ال 34 للوحدة اليمنية    البرغوثي يرحب بقرار مكتب المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية مميز    قيادات سياسية وحزبية وسفراء تُعزي رئيس الكتلة البرلمانية للإصلاح في وفاة والده    اشتراكي الضالع ينعي الرفيق المناضل رشاد ابو اصبع    وفاة محتجز في سجون الحوثيين بعد سبع سنوات من اعتقاله مميز    مع اقتراب الموعد.. البنك المركزي يحسم موقفه النهائي من قرار نقل البنوك إلى عدن.. ويوجه رسالة لإدارات البنوك    مأساة في حجة.. وفاة طفلين شقيقين غرقًا في خزان مياه    الجوانب الانسانية المتفاقمة تتطلّب قرارات استثنائية    لماذا صراخ دكان آل عفاش من التقارب الجنوبي العربي التهامي    بن مبارك بعد مئة يوم... فشل أم إفشال!!    وفاة طفلة نتيجة خطأ طبي خلال عملية استئصال اللوزتين    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    عبد الله البردوني.. الضرير الذي أبصر بعيونه اليمن    تغير مفاجئ في أسعار صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية    أرتيتا.. بطل غير متوج في ملاعب البريميرليج    الريال يخسر نجمه في نهائي الأبطال    هجوم حوثي مباغت ومقتل عدد من ''قوات درع الوطن'' عقب وصول تعزيزات ضخمة جنوبي اليمن    مدارس حضرموت تُقفل أبوابها: إضراب المعلمين يُحوّل العام الدراسي إلى سراب والتربية تفرض الاختبارات    كنوز اليمن تحت رحمة اللصوص: الحوثيون ينهبون مقبرة أثرية في ذمار    أول رئيس إيراني يخضع لعقوبات أمريكا . فمن هو إبراهيم رئيسي ؟    قادم من سلطنة عمان.. تطور خطير وصيد نوعي في قبضة الشرعية وإعلان رسمي بشأنه    الدوري الفرنسي : PSG يتخطى ميتز    غموض يحيط بمصير الرئيس الايراني ومسؤولين اخرين بعد فقدان مروحية كانوا يستقلونها    إلى متى نتحمل فساد وجرائم اشقائنا اليمنيين في عدن    ارتفاع حصيلة العدوان الاسرائيلي على غزة إلى 35,456 شهيداً و 79,476 مصابا    الجامعة العربية: أمن الطاقة يعد قضية جوهرية لتأثيرها المباشر على النمو الاقتصادي    رئيس هيئة النقل البري يتفقد العمل في فرع الهيئة بمحافظة تعز مميز    وزير المياه والبيئة يبحث مع المدير القطري ل (اليونبس) جهود التنسيق والتعاون المشترك مميز    رئيس الهيئة العليا للإصلاح يعزي الهجري في وفاة والده    تقرير: نزوح قرابة 7 آلاف شخص منذ مطلع العام الجاري    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    نهائي نارى: الترجي والأهلي يتعادلان سلباً في مباراة الذهاب - من سيُتوج بطلاً؟    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الذكرى (السابعة) لرحيل الفنان الكبير/ محمد مرشد ناجي .. روح الغناء الوثابة وصوت الأمة..(خلاني وراح)

مازالت ذاكرتي ترسم وتستعيد ال مواقف الجميلة الراسخة والرصينة مع الفنان الكبير/ محمد مرشد ناجي منذ بدايات العلاقة الحميمة والوثيقة التي جمعتني به وفي لقاءات متعددة أتذكر فيها سلطة الأبوة التي غمرني بفيضها لسنوات طويلة كان ديدنه محباً متسامحاً ناصحاً ومخلصاً في الأقوال والأفعال..
لقد كُتب عن الفقيد الفنان المرشدي كما كتب عن سائر أمثاله من الناس / النخبة – الهيام والموت حباً في الوطن .. وبالتالي تبوؤ مقامات المعاناة النبيلة والسامية.. شاقة وصعبة الكتابة حينما نسطر حروفها بحبر مداد القلب عن فقيد الغناء والوطن (المرشدي).. أحاول عبثاً محاكاته ولمسه من أي طرف متاح كي يستوي النص نصاً خالياً من الحرائق ، الإختراقات... استطرادات البكاء.. والأحزان ، أعني إني أبذل قصارى المعرفة كي أبلغ معناك والإلمام ولو ببعضك الكثير والجميل..

يُعد الفنان الكبير محمد مرشد ناجي واحداً من أهم دعائم وركائز (الغناء التجديدي العدني الحديث) بالإضافة لدوره البارز الهام والمؤثر بتقديم الموروث والفلكلور الغنائي اليمني بكل تلاوينه وإيقاعاتها المختلفة والمتعددة بأسلوبٍ رائع أخاذٍ ومقدرةٍ فائقة أعادت إليه الروح والحياة بعد حالة الإهمال والنسيان .


ولعل ( المرشدي ) من الفنانين القلائل الذين تمكنوا ببراعة من تقديم عطاءات ونتاجات إبداعية استندت على محاكاة التراث اليمني برؤيته المستقلة بمنظوره ومنهاجه ومدرسته المتميزة معتمداً بذلك على جمال وعذوبة ورقة (صوته الذهب) و سلاسة وسلامة مخارج الألفاظ والقدرة الهائلة على التغيير والتنويع بخلق جمل لحنية نغمية (ديناميكية) والاهتمام بالمقامات والايقاعات اليمنية المصحوبة بثراء في العاطفة والشجن المتدفق والمرتبط بجذور وأصول التربة اليمنية المعطاء .


أن صوت (المرشدي السرمدي ) ونحن نستمع إليه يخيل إلينا ونحس كأنه جاء منبعثاً من أعماق الأرض والتاريخ حاملاً بصوته الرخيم العذب أبرز وأهم ملامح الأصالة والحضارة اليمنية المترامية بإمتدادها واتساعها في كل أرجاء الجزيرة العربية والخليج العربي، مؤكداً ب أدواته وقدراته الإبداع ال متفردة (جدارته وحنكته) في توصيل كل تلك السمات الفنية والتفاصيل التاريخية / الإجتماعية/ السياسية بحرفية وتقنية عالية وبملكه الفنان المبدع الخلاق المتكئ بمشروعه الغنائي الموسيقي على مرجعية الثقافة والعلم وفي الإطلاع و البحث عن المعرفة بكل شاردة وواردة (يصادفها في جامعة الحياة).


عُرف الفقيد منذ يفاعة الصبا وعنفوان الشباب مكافحاً ومناضلاً صلباً عاشت قضايا أمته في خلاياه الدموية وكان يتنفسها فناً وموسيقى ونغماً مساهماً في تفعيل وسيرورة وتنامي الوعي الوطني والقومي وتطور مداركه الفكرية المنفتحة إضافة إلى مواقفه الإنسانية والنضالية الصلبة والجسورة المشهودة (الفذة) في مقاومة الظلم والإستعباد والقهر والعبودية والجهل والتخلف إبان الحكم الإمامي الكهنوتي في شمال الوطن سابقاً والإستعمار البريطاني في جنوبه.. فمن منا لا يتذكر أناشيده الوطنية التي ألهبت همم وحماس الجماهير العريضة وأقضت مضاجع الطغاة الفاسدين الظالمين و رفدت المكتبة الفنية الغنائية الموسيقية والعربية بأعظم وأروع الأغنيات الخالدات التي كان لها السبق والريادة في توحيد الوجدان والضمير الوطني والعاطفي لكل فئات وطبقات الشعب اليمني .. ناضل في سبيل العدل والإستقرار ناشداً وآملاً أن يعيش كل اليمنيين في سلام وسكينة وأمان.


كان للفنان المرشدي نشاطات نوعية .. نخبوية.. وظيفية.. مهنية .. نقابة .. تربوية .. فنية .. وسياسية دلف من خلالها في منظومة المجتمع اليمني .. كان رحمه الله صاحب مدرسة فنية استثنائية متميزة ، أمتلك فقيدنا المبدع ( كاريزما مرشدية مستقلة ) ورونقاً وحضوراً فنياً إذاعياً وتلفزيونياً ومسرحياً لافتاً ومتفرداً.


ضيقة هي كتاباتنا والتأبينات ، المراثي .. وحتى القصائد وأنت القامة السامقة الشاهقة الباسقة (يامرشدنا ) في حضورك البهي الطاغي الجبار كشلالات الماء المتدفقة التي لا يأتيها اليباس والجفاف والتصحر .. في هذا المقام نحاول البحث والغوص في سبر أغوار تجربتك النغمية واللحنية المقامية والإيقاعية الساحرة الآسرة، آملين من خلال قراءاتنا النقدية العلمية تسليط الأضواء وإبراز المواطن الجمالية ومطارح وانبعاثات التألق والمغايرة الكامنة في سفر رحلتك الغنائية الموسيقية الإبداعية العظيمة والخالدة ، ولعل من المفارقات العجيبة التي تجزم أنك متعدد وافر الخصال والشمائل .. المحتشد في رونق شخصك الواحد المتجلي في اسمك .. (المرشد).. وتستحق كل هذا الحزن والوجوم والوجع والذهول المضطرد اللامتناهي .. إن لحظات القضاء والقدر أكدت مصادفة وبتلقائية ربانية (عصاميتك وصلابتك وجسارتك) واجتهادك ودأبك الحثيث بالمعنى التوصيفي والقيمي والأخلاقي والإبداعي من خلال قيامك بدورك في تأدية رسالتك الفنية والوطنية والإنسانية على أكمل وأنفع وأروع صورة لخدمة قضايا وطموحات وآمال وهموم وتطلعات بسطاء الناس من أبناء أهلك وشعبك ووطنك حتى الرمق الأخير من حياتك.


لقد جاءت لحظات القضاء و القدر ومشيئة الله سبحانه وتعالى وفنانا ( العملاق ) يستعد ويتأهب لتقديم المشاركة وواجب التحية والمباركة في حفل زواج أحد أحفاده، وبعد مغادرة منزله الكائن في مدينة المنصورة وإصراره على الذهاب - رغم حالته الصحية المتعثرة- ووصوله إلى قاعة الحفل في مدينة عدن سقط مغشياً عليه وهو يصعد سلم صالة الفرح .. وقد كان الحضور من عشاق فنه ومحبيه في إنتظاره يترقبون طلعته وتشريفه ويتطلعون شوقاً ولهفة للإطمئنان عليه ورؤيته شخصياً .. لكن الأجل المكتوب سبقنا جميعاً وعلمنا أنه نقل على أثر ذلك إلى المستشفى وبعدها مباشرة وقبل أن نستوعب آثار الصدمة الأولى وصل إلينا الخبر المحزن المبكي والمفجع ذلك في خبر الوفاة ورحيله عن دنيانا الفانية إلى دار البقاء الخالد جوار ربه .. نعم صعدت روحه العفيفة الطاهرة إلى باريها وخالقها فتحول العرس والفرح إلى موت وعزاء ...

وفي الواقع ( نجح ) الفنان القدير محمد مرشد ناجي بشكل لافت ومبهر في تحقيق كل القيم والمبادئ والمفاهيم التي تحمل بمضامينها ماهية ووظيفة الفن ودور الفنان المثقف الملتزم فأبدع بإشتغالاته الغنائية والموسيقية المبتكرة الحديثة واستطاع في نفس الوقت أن يتعامل ويتعاطى مع التراث والفلكلور اليمني (برؤى ومعالجة فنية حداثية) ليجعله محتفظاً بأصالته وهويته ومحبباً لأذن المستمع والمتلقي في داخل الوطن وخارجه ، وتمكن (المرشدي ) من خلال أحاسيسه ومشاعره الصادقة أن يمر على كل جبال وهضاب وسهول ووديان اليمن بكل تضاريسها ومناخاتها الساحرة الخلابة فجعلنا نطوف ونحلق مع أعماله وأغانيه الرائعة التي قدمها وأعاد صياغتها غنائياً وموسيقياً بصوته المخملي الدافئ والحنون الممتلئ بالعُرب والحُليات المتوهجة المعبرة لنستمع ونستمتع بفضاءات غنائية موسيقية رحبة فنستعيد بعطاءاتها وإبداعاته الفنية ( ذاكرة الزمان والمكان ) كل الحقب والمراحل الزمنية من تاريخ اليمن الزاخر والحافل بالإبداعات الخالدة ولعل هذه الأعمال الرائعة التي قدمها تؤكد مصداقية ما أشرنا إليه على سبيل المثال لا الحصر : أراك طروباً ، عن ساكني صنعاء ، صادت فؤادي ، يامن سلب نوم عيني ، الفل والورد ، ياساري البرق ، يحيى عمر قال ، قال أبو زيد ، قطفت لك ، شابوك أنا ، يامكحل عيوني بالسهر ، الله أعلم ، أنا من ناظري ، المعنى يقول ، عظيم الشان ، ياغارة الله ، اهلاً بمن داس العذول وأقبل ، صادت عيون المها ، عليك سموني وسمسموني ، هليبه..يا هليبه، قال الفتى يحيى عمر، أخضر جهيش مليان ، يا نجم يا سامر ، بانجناه ، صون الغرام .. وغيرها .

حمل فناننا المبدع محمد مرشد ناجي على عاتقه هموم وقضايا ونضالات أمته وشعبة فعاش مجبولاً متبنياً لها منذ نعومة أظفاره حتى آخر رمق في حياته.. عشق الأرض اليمنية وأحب أناسها بكل طيبتهم وبساطتهم ، ليجعل من موهبته وفنه وعطاءاته وإبداعاته وسيلة استطاع من خلالها أن يتصدر (قلب الأحداث والمتغيرات) التي عاصرها على كل الأصعدة : السياسية / الإقتصادية / الإجتماعية / الثقافية / والنضالية .. فعاش متمتعاً بحساسية وطنية شديدة الرهافة متطوعاً بوافر جهوده ومعاناته والآمه من أجل انتصار حقوق كافة شرائح وطبقات أبناء الشعب .


كان فقيد الوطن فناننا المتألق مهموماً منهمكاً بذلك الحس والوعي الإنساني والوطني اللامتناهي غير المحدود المضني الذي أنعكس على أسلوب عيشه وحياته فدفع ضريبته ثمناً باهظاً من صحته ومستقبله وعدم استقراره في حياة هانئة هادئة من تبعات مواقفه الوطنية والإنسانية الجادة ، وأستطاع أن يُغير ويعيد تقييم نظرة (السلطة والمجتمع) تجاه ( الفن ) ليرتقي ب سلوكه وأعماله الغنائية الوطنية والعاطفية الرائعة والخالدة (بقيمة وأهمية وماهية وظيفة الفنان المثقف والملتزم ) غير العابث اللاهي (المسلي) إلى مفهوم مغاير مختلف تماماً شكلاً ومضموناً في سلوكياته وأخلاقياته ويعبر عن معنى وقيمة الفنان المثقف المتمثل لنبض الشارع وهواجس مجتمعه وبيئته وأمته وشعبه .
ومن أهم الأعمال التي عبرت عن هذا المفهوم بصورة جلية ماقدمه المرشدي من أناشيد وطنية حصدت نجاحات جماهيرية واسعة وموجعة للإستعمار البريطاني وحكم الإمامة نتذكر في هذا المقام الأعمال التالية : يا بلادي / هات يدك / ياطير يارمادي / شعبي ثار اليوم / أنا الشعب / أنا يمني / ياطير كم أحسدك / ياميناء التواهي / أنظر إلى بيتي / أخي كبلوني / طفي النار / والله انه قرب دورك يابن الجنوب / قائد الجيش البريطاني .. والعديد من الأناشيد والأغاني الوطنية التي ألهبت وحشدت الطاقات والهمم وأيقظت الوعي الوطني والنضالي ودفعت الجماهير الغفيرة للخلاص من ظلمات وويلات وعبودية الحكم الإمامي والاستعمار البريطاني في شطري اليمن.


المرشدي والأغنية الحديثة ( فن التلحين)

يعتبر الفنان محمد مرشد ناجي أحد أهم وأبرز رواد وروافد (الغناء التجديدي الحديث ) فقد قدم إضافات تميز بها عن زملائه ومجايليه وحسبت له في مسار تطوير الأغنية اليمنية الحديثة (فللمرشدي وثبات فنية) مبتكرة ذات أبعاد جمالية ورؤى ودلالات فنية مدعمة باشتغالات (دياليكتيكية) وبناءات معمارية هندسية مقامية وإيقاعية وموسيقية بالغة التميز والفرادة والخصوصية تتمحور في تراكيب وصياغات الجملة اللحنية النغمية الموسيقية التعبيرية التصويرية بطريقته وأسلوبه ومنهجه الذي يعتمد على شقين :

الشق الأول:

يتمثل في اختياراته الأدبية الثقافية والمعرفية الواعية في (تلحين القصائد الفصحى والحمينية) التي تُبرز ت بين الجملة الموسيقية وتستند على الثبات والركوز في صياغة تراكيب وبناءات القوالب اللحنية والإيقاعية والجمل الموسيقية وغزارة وعمق وتدفق القوالب المقامية والنغمية التي طريبية والتعبيرية (والحوارية الموسيقية) وبالتالي يرتكز قوامها ويستقيم على رصانة وعذوبة ونقاء وصفاء ووضوح مخارج الألفاظ وسلامة وسلاسة المفردات والشعور والإحساس الصادق الشفاف والقوي المفعم والمتضمخ بمضامين معاني الكلمات (في النص الغنائي الفصيح) إضافة إلى حالة سريان التدفق النغمي الوجداني والروحي الممزوج والمنصهر بنسيج عاطفي رومانسي مع الأغنية - القصيدة والكلمات المغناة بشكل متناغم بديع ومعبر يضيف ويضفي القصيدة والنص الشعري الذي يتعاطاه (المرشد) كثيراً من الصور والدلالات والرؤى الفنية الموسيقية والإيقاعية .. ولعل من أبرز هذه الأعمال الحانه لقصائد الشاعر العظيم محمد سعيد جرادة فقد اشتركا معاً في تقديم (ثنائيات وأعمال غنائية متميزة رائعة) كأغنيات : وقفة / ذات الخال / لقاء / هجرت وأبعدتني / شبابك ندى ريان .. وغيرها.

كما لايفوتني أيضاً الإشارة إلى (الثنائية) المشهود لها بالإبداع والتفوق مع الشاعر المبدع والخلاق لطفي جعفر أمان والتي نتذكر منها الأعمال الغنائية الموسيقية العظيمة التالية على سبيل المثال لا الحصر : إلى متى (يا كدا.. والا كدا) / ظبي من شمسان / عرفت الحب / ودعت حبك / مش مصدق / مع السلامة / ياريت ما كنا.. والقائمة تطول بروائعهما..

بالإضافة للأعمال الجميلة التي سنتطرق إليها تباعاً وتبين بوضوح عبقرية فناننا القدير المرشدي كما أنها ستؤكد ما أشرت إليه في (الشق الأول) من تجربته في (فن صياغة الألحان) و شراكته وتعاونه مع العديد من القامات الشعرية وإسهاماته الهامة في تطوير الأغنية اليمنية التي ارتقت بذائقة الناس و حفرت في ذاكرة ووجدان الجماهير اليمنية وفي الخليج والجزيرة العربية، بل إنها وضعت بصمات وملامح هامة شكلت أهم تجليات وإشراقات الأغنية الحديثة والمعاصرة ومن هذه الأغنيات الناضجات فائقة العذوبة: خلاني وراح، صلاة قلب، دا كان زمان يا صاح ، نظرة من مقلتيها ، سألتني عن هوايا ، طلعت بدرية ، غنوا معي غنوا ، لاتخجلي ، بروحي وقلبي ، لا تطلبي الصفح مني ، بيني وبينك كلام ، على ذكراها ، اكيد يا حبيبي ، مع السلامه ، ضناني الشوق، احبها ، ياللي أنكرت الحب (نهاية حب) ، اللقاء العظيم، ورق .. ورق، يا دموعي، مازلت أهواك ، يا عيبتك، اشتقت لك ، تاج النهار، لم يندمل جرحي.. وكثير من الأعمال التي ستظل راسخة في ضمير ووجدان الأمة..

أما الشوق الثاني :

من تجربة المرشدي الغنائية والموسيقية ومدرسته في فن التلحين وطرائقه المتعددة المختلفة يتمحور في استخداماته للمفردة واللفظة الشعرية الغنائية العالمية ويعتمد على الجملة الموسيقية القصيرة التي تستند على (ديناميكية حركة ورشاقة الأرتام والإيقاعات) ويمكننا أن نطلق عليها أسلوب (السهل الممتنع) ، ولكنه يهتم أيضاً بالتنويعات المقامية والإيقاعية وبالمقدمات الموسيقية التي تحتاج لمحور خاص للحديث عنها بشكل مفصل ومستقل، ومن الأعمال الغنائية التي تتوافر فيها هذه المعطيات والمقومات اللحنية والإيقاعية والموسيقية التي ذكرناها على سبيل المثال هذه الباقة المختارة من الأغاني التالية : حبيبي جاني عتابك ، يا بخت من حب ، ياسائلي عن هوى المحبوب ، يا أغلى الحبايب يا غالي وزين، حارس البن ، بامعك ، لقيته يا أماه ، ليه يابوي ، يانجم ياسامر ، غزير الحب ، ندامه .. ندانه ، يا عيدوه .. يا عيدوه ، يا غارة الله ، يا حبايب (عمرنا ليل) ، لاوين انا لاوين ، يا شركسي ، بانجناه ، بغينا الحب دايم بالتفاهم، يابوي أنا شي لله .. والعديد من الأعمال المتميزة.


المرشدي والثنائيات المتعددة ال ناجحة

ربما يكون من المألوف وكما جرت العادة أن يتفوق فنان مع شاعر معين ويشكلا ( ثنائية ) يشار إليها بالبنان ، ولكن الأمر مع فناننا المبدع أختلف تماماً ولا يمكن أن يحدث إلا إذا جاء الزمان بحالة إستثناء (فالمرشدي واحد من فصيلة العظماء) حقق ماعجز عنه الكثيرون من الفنانين وشكل (ثنائيات) غنائية متعددة ناجحة مع أكثر من شاعر من فحولة وفطاحلة الشعراء اليمنيين والعرب ، وأستطاع أن يتميز ويتفرد بإبداعاته وعطاءاته الغنائية الموسيقية مع كل واحد منهم بل وكان جديراً مقتدراً بتعامله مع نصوصهم وقصائدهم المختلفة المتنوعة بحسب ثقافتهم وفلسفتهم في أسلوب ونمط العيش والحياة .. فمن منا لايتذكر روائعه وإبداعاته مع الشعراء الكبار الأساتذة : محمد سعيد جرادة ، لطفي جعفر أمان ، عبدالله هادي سبيت ، أحمد الجابري ، علي محمد علي لقمان ، حسين أبو بكر المحضار ، الأمير أحمد فضل القمندان، أحمد السقاف ، عبد الرحمن ثابت ، علي بن علي صبرة، ناصر شيخ، محمد سيف كبشي، مهدي حمدون، مطهر الأرياني ، د.سعيد الشيباني ، ناصر علوي حميقاني ، أحمد بو مهدي ، القرشي عبد الرحيم سلام ، تامر نصر، أحمد عباد الحسيني ، أحمد فؤاد نجم، علي أمان، عباس المطاع، نجيب أمان ، عبدالله سلام ناجي، محمد عبدالله بامطرف، أحمد شريف الرفاعي ، فريد بركات ، وديع أمان.. وآخرين .


فللشاعر الكبير عبدالله هادي سبيت قدم هذه الأغنيات : حبيبي جاني ، لاوين أنا لاوين ، نظرة من مقلتيها ، ليه يابوي ، ياعيدوه .. ياعيدوه ، بانجناه ، يابن الناس حبيتك ، عمرنا ليل (ياحبايب)، سألتني عن هوايا..
وقدم للأستاذ أحمد الجابري هذه الأعمال الهامة أيضاً: علم سيري، ياغارة الله ، أخضر جهيش مليان ، يا عاشقين ، لاتخجلي ، يا بوي أنا شي لله (مالك كدا يا هلي)، غفران (لاتطلبي الصفح مني)...
وللشاعر والملحن القدير حسين أبوبكر المحضار قدم باقة منتقاة من الأعمال الجميلة أبتسمت بالخصوصية منها : دار الفلك ، أهل باكرمان، دعوة الأوطان ، ياساري الليلة.
وكذلك قدم للشاعر الرائع علي محمد علي لقمان هذه الأغنيات: صلاة قلب ، غنوا معي غنوا .. وغيرها .
وللأديب عبدالله فاضل فارع تعاونا معاً ب تقديم عملين غنائين هامين : بروحي وقلبي .. وأغنية مازلت أهواك ..
من هنا تأتي عبقرية فناننا القدير المرشدي بقدرته على العطاء المتدفق وإمكانياته الغنائية والموسيقية التي جعلته يتجدد لحناً بديعاً وإبداعاًً بصور وأشكال مختلفة وبالطبع تأتي ثنائياته مع العملاقين محمد سعيد جرادة ولطفي جعفر أمان بصدارة القائمة في سجل المرشدي الغنائي والموسيقي الطويل والحافل ..

مقطوعات موسيقية مستقلة في أغنيات المرشدي

سمعت بعض التصريحات مفادها أن الأستاذ محمد مرشد ناجي يصنف ( بالفنان الشعبي ) وفي الواقع أن هذا التصنيف مجاف للحقيقة و مغلوط جملة وتفصيلاً ولا ينطبق عليه إذا توخينا الدقة في إختيار التصنيفات الفنية على (المرشدي) أو غيره من فنانينا المبدعين، ومع تقديرنا واحترامنا لتصنيف ومسمى الفنان الشعبي إلا أن الأمر يختلف تماماً وهناك ( بون شاسع بين توصيف الفنان الشعبي وفنان الشعب ) وفناننا الكبير المرشدي ينطبق عليه فنياً وموسيقياً وحرفياً وإبداعياً التوصيف واللقب الثاني مسمى ( فنان الشعب ) بكل دقة ومنهاج علمي ودراسة كما سنشرح و نوضح بالبراهين والأدلة في هذا السياق الذي نؤكد فيه إهتمامات المرشدي واشتغالاته الموسيقية التي لايمكن أن يُقدم عليها ويتعاطاها إلا ( فنان مثقف وشامل ) يمتلك موهبة الخلق والإبداع والابتكار.


فإذا أعدنا شريط الذاكرة وقمنا بعملية مسح شامل وعام في هذا الإتجاه الهام لأغنيات المرشدي منذ بداياته سنكتشف اهتماماته بالمقطوعات الموسيقية كمقدمات مستقلة لأغنيات سنجدها (مطرزة بزخارف ونمنمات مقامية وإيقاعية مرشدية ) في غاية الروعة والجمال وكانت عبارة عن (تاج موسيقي بديع وضعه على رأس أغنياته) الأمر الذي يؤكد بالقطع تطلعاته وتحدياته وتمرده الواعي والمسؤول عن كل ماكان مألوفاً وسائداً في ذلك الوقت أما الأدلة والبراهين فهي كثيرة منها على سبيل المثال المقدمات الموسيقية لهذه الأغنيات الشاهدة على براعته ونزعته العارمة نحو أفاق التحديث والتجديد بأعماله التي نتذكر منها على سبيل المثال : على ذكراها / عرفت الحب / ودعت حبك / ضناني الشوق / أهلاً ب من سلم/ صلاة قلب / ذات الخال / مع السلامة / أهلاً بمن داس العذول وأقبل / إلى متى / لقاء / عن ساكني صنعاء / أكيد .. أكيد / أحبها / وقفة / بالله عليك ياطير يا رمادي / قطفت لك/ نظرة من مقلتيها / يابلادي / تاج النهار/ هات يدك .. وكثير من الأعمال الأخرى التي أتحفنا بها في مشواره الفني .

أغنية عن ساكن صنعاء

في هذا المقام سنعرج على هذه الأبيات الشعرية في أغنية (عن ساكني صنعاء) ذات ال قصيدة الحمينية كلمات الشاعر والقاضي العلامة / عبد الرحمن بن يحيى الآنسي لنستخلص من هذا العمل الفني و اللحن ال بديع والرشيق (أهم خصائص ومميزات الفنان القمة المرشدي الملحن المتجدد والمتطور) منذ بدايته الأولى مروراً بمشواره الغنائي الزاخر و الحافل بالعطاءات الإبداع ية وبالتألق والمفاجآت..

البداية / المقدمة الموسيقية .. والاشتغال على خلق جمل لحنية نغمية مقامية وإيقاعية جديدة مبتكرة مغايرة عن ما كان سائداً حينها في ذلك الوقت فإذا أستمعنا للمقدمة الموسيقية جيداً وقمنا بتحليلها علمياً سندرك أنها لحنت على (مقام البيات على درجة الدوكاه) واستخدم فيها إيقاع الشرح العدني (الثقيل 8/6) وكانت المفاجأة في (تراكيب جمل موسيقى صولو العود) ، حيث أستخدم المرشدي (تكنيكاً عالي المستوى ورفيعاً) بطريقة (مضاعفة سرعة ال ريشة و زيادة الوحدات) إذ أن العود كان متناغماً بانسجام بديع مع (الكمانات وبقية الآلات الوترية) في قوام الفرقة الموسيقية فاستطاع أن يخلق ويبتكر مقطوعة موسيقية فائقة الروعة والجمال، ثم يبدأ بعد ذلك التمهيد الموسيقي والغناء طريقة حديثة جديدة نجد فيها (زخرفات ونمنمات هندسية معمارية مقامية نغمية وإيقاعية ت تماهى وتتوحد مع روح وإحساس مدرسة (المرشدي) فلم يخضع لخصوصية وطبيعة النص الحميني المعروف والتقليدي الذي عادة ما كان يكتب شاعر القصيدة الحمينية وعُرفت قصائد ملازمة ولصيقة بأهم الموشحات الصنعانية اليمنية ، لكن قدرة المرشدي الموسيقية الهائلة مكنته من الخروج من دائرة الصياغات الغنائية الموسيقية (الإحيائية) بإشتغال جاد مبتكر تمرد به من (تبعية) النص الغنائي الحميني وهيمنته على فرض أسلوب محدد ومعروف بصياغات لحنية وإيقاعية على النمط الغنائي التقليدي المتداول والسائد.

فقد تجد نجاح (مرشدنا) بتلك المقدمة الموسيقية الرائعة وفي الخروج والتمرد من قوالب التلحين بطريقة (الموشح اليمني الصنعاني التقليدي) التي فرضته وهيمنت عليه القصيدة الحمينية منذ زمن طويل جداً، والواقع أن رغبة ونزعة المرشدي بتطوير الغناء اليمني إلى أسلوب آخر جديد مكنه من التفوق والإجادة والإبداع بمهارة في تخطي تلك (المخاطرة الفنية الصعبة) وتألقه بنجاح هذا ال لحن وأدائه العظيم في إحدى (تجلياته المدهشات) المتكئة على إشتغالاته الواعية، وبناءاته المعمارية اللحنية الموسيقية المترفة الثرية ،فإلى مذهب الأغنية التي صاغها من (مقام الابيات على نغمة الدوكاه):
عن ساكن صنعاء حديثك هات/ وافوج النسيم/ وخفف المسعى وقف/ كي يفهم القلب الكليم/ هل عهدنا يُرعى وما يرعى/ يرعى العهود إلا الكريم
ثم يزداد إبداع ه تألقاً وروعة في الكوبليهات التي يقول فيها:
تبدلوا عنا ؟! / وقالوا عندنا منهم بديل/ والله ما حلنا / ولا ملنا على العهد الأصيل/ ما بعدهم عنا يغيرنا / ولو طال الطويل/ بالله عليك يا ريح / أمانه أن تيسر لك رجوع / لمح لهم تلميح / بما شاهدت من فيض الدموع/ والشوق والتبريح/ والوجد الذي بين الضلوع
إن المرشدي حينما نسمعه يردد هذه الأبيات الشعرية م موسقة ملحنة بتنويعاته النغمية التعبيرية والتطريب ية و بصوته الدافئ والشجي نشعر وكأنه يحترق لوعة وعشقاً وهياماً للوصول لمحبوبه الغائب، وفي الحقيقة نجح (أبوعلي) ببراعة واقتدار في ترجمة أبيات مفردات ومعاني قصيدة شاعرنا الكبير القاضي العلامة (عبد الرحمن بن يحيى الآنسي) وفي التعبير عن (مكنوناته ودواخله الشعورية) من خلال اللحن الجميل الذي أتحفنا به وبكثافة الأحاسيس والشوق والشجن الذي امتزجت لتشكل مع صوته وحدة فنية متماسكة ونسيجاً رومانسياً عاطفياً عكس صورة ذلك الزمان الجميل بكل صدق وأمانة، ونحن لا نملك إلا تسليط الضوء صوب هذه الأغنية التي تعتبر نموذجاً ومثالاً لروائع أستاذنا الجليل الفنان محمد مرشد ناجي ودوره الريادي وخدمته لتطوير الغناء اليمني .. فهي بقيمتها الموسيقية والغنائية من وجهة نظري علامة بارزة وبصمة هامة أضيفت إلى رصيده الغنائي الموسيقي المشرق والمشرف ورفدت مع عطاءاته الغنائية الموسيقية بثراء دافق مسار الغناء اليمني واستمراريته وتألقه نحو الأفضل والأجمل.

محطات إبداع ية هامة
:

تألق عميد الغناء اليمني وأشهر مشايخه وأساطينه الفنان الكبير/ محمد مرشد ناجي في تقديم ونشر كافة اللهجات والألوان الغنائية اليمنية : الصنعاني / اللحجي / العدني / اليافعي/ الحضرمي / التهامي / الأبيني / والتعزي (الحجري) .. مطرباً وملحناً من الطراز الأول وأبدع بإبتكار (تحف فنية غنائية نادرة) حلق من خلالها في فضاءات (كونية رحبة) على بساط حنجرته الذهبية في الخليج والجزيرة العربية والوطن العربي وفي كل أصقاع المعمورة ..

قدام الفنان الكبير / محمد مرشد ناجي مجموعة متميزة من الأصوات ودفعها لساحة الغناء اليمني مدعومة بألحانه ورعايته ومن أبرز هذه الأصوات الأساتذة: طه فارع بهذه الأعمال الفنية: هجرت وأبعدتني / غلطة عمر/ يخاصمني ويضحك لي / مرحب رمضان، الفنان عبد الرحمن حداد: حبيب القلب / لقيته يا أماه / حارس البن، الفنان محمد صالح عزاني: أنت السبب / وأبوي إيش الذي صار/ اشتقت لك / يالله السابق.. واشترك العزاني و أحمد علي قاسم و فتحية الصغيرة في إسكتش (بنت الأكابر).. وقدم الفنان عصام خليدي (حلفت ما شفرقك يا ريم وادي شبام)، ( أشتقت لك يا حبيب روحي)، كما قدم الفنان محمد مرشد ناجي مع الخليدي والفنانه نوال حسين مقدمة المسلسل الإذاعي (الرهينة) والفنان أبو بكر سكاريب قدم أغنية (مش معقول) والفنان أحمد علي قاسم أغنية (ريح الشروق) و الفنانة أمل كعدل أغنية (يا معك) كما غنت بالإشتراك معه أنشودة الوحدة اليمنية (صنعاء الكروم) ، و قدم أيضاً للفنان الجميل محمد عبده زيدي اغنية (فلسطين) وللفنان عوض أحمد نشيد (ياجيلنا) وللفنانة المتميزة رجاء باسودان قدم أغنية (داري هواك داري) و الفنان محمد عبده سعد اغنيه (طول جفناه) أما مع المنلوجست المبدع والقدير الفنان فؤاد الشريف له العديد من الألحان والأعمال الرائعة والجميلة أتذكر منها هذه المنلوجات: القات / كركر جمل / منلوج الزار/ يا ناس حلو المشكلة / امنعوا الهجرة / حلو لو / سير يا طير سير/ يا مجلس تشريعي/ عملت إيش بالبلدية...وغيرها من الأعمال الهادفة الناجحة التي حققت إنتشاراً واسعاً وجماهيرية.
ولد فقد الغناء اليمني ( أبو علي ) في السادس من نوفمبر عام 1929م في مدينة الشيخ عثمان بعدن ، وتلقى تعليمه في الكُتّاب (العامة) وذلك على يد الفقيه أحمد الجبلي، وكانت هذه المعلامة في حافة (القحم) في مدينة الشيخ عثمان وقد ختم القرآن الكريم في سن مبكرة مما جعل والده يحتفي به وأقام له الحفلات أحتفاءً بختمه القرآن الكريم في هذه السن المبكرة .. ثم واصل تعليمه في مدرسة الحكومة الإبتدائية في الشيخ عثمان ولأسباب متداخلة متعددة أنقطع عن مواصلة الدراسة في المدارس الحكومية الثانوية بحجة كبر سنه (الأوفرايج) كما كان يقال في ذلك الوقت.. ليعود مرة أخرى لتلقي مبادئ تعليمه الثانوي و اللغة الإنجليزية في (الكتاتيب) على يد الشيخ صالح حسن تركي جد الفنان المعروف إسكندر ثابت رحمهما الله ..


للفنان القدر محمد مرشد ناجي العيد من المؤلفات والإصدارات والمطبوعات والكتب الهامة القيمة أهتمت بتوثيق التراث الغنائي المتنوع والغزير وتخصصت ب شؤون وقضايا الغناء اليمني القديم والمعاصر أهمها: أغانينا الشعبية / الغناء اليمني القديم ومشاهيره / أغنيات وحكايات / صفحات من الذكريات .. وله إسهامات مؤثرة وفاعلة تتضمن الكثير من الآراء والأطروحات في سياق المشهد الإبداع الغنائي وال فني بصورة عامة ..

لا يستطيع تقديم أعمال (المرشدي الغنائية) بإجادة وإتقان الفنان لأسباب كثيرة فهي تتطلب مواصفات و مميزات لا تتوافر إلا ب صوته وثقافته الواسعة من أبرزها عذوبة وصفاء ونقاء الصوت ورصانته بالإضافة ل سلامة ووضوح مخارج الألفاظ وقدرته (الفذة) على توصيل المعاني والكلمات معتمداً على براعته وحنكته في إتقان (فن الإلقاء الصوتي وطرائقه المتعددة والمختلفة) ..

أحب الفنان محمد مرشد ناجي وتأثر فنياً بأصوات وأسلوب غناء العمالقة: الشيخ علي أبو بكر باشراحيل/ الشيخ محمد جمعة خان / الشيخ عوض عبدالله المسلمي .. ورائدا الأغنية العدنية خليل محمد خليل/ سالم بامدهف.. ومن الوطن العربي موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب ..

تعامل فناننا المبدع (المرشدي) مع معظم المقامات الموسيقية الشرقية العربية و استخدمها في أعماله منها: البيات / الهزام / السوزناك/ السيكا / الراست / النهوند / الحجاز / النواثر/ والحجاز كار كورد/ النيرز راست / راحة الأرواح... وغيرها من المقامات الأخرى.

ابتدأ الفنان محمد مرشد ناجي باكورة مشوار الغنائي الموسيقي من (القمة) في أغنية (وقفة) من كلمات الشاعر العظيم/ محمد سعيد جريدة في عام (1951م) وقام بتسجيلها بمصاحبة (ندوة الموسيقى العدنية) في إذاعة عدن (منتصف الخمسينات) من القرآن الفارط ضمن مجموعة أغاني الشهيرة التالية: خلاني وراح/ شبابك ندي ريان/ طلعت بداية.. وحينها كانت الأغاني تبث على الهواء مباشرة تحت إشراف الأستاذ (توفيق إيران) ومنذ ذلك الحين ظل (المرشدي) متربعاً محافظاً على مكانته وجمهوره ومحبيه إلى أن توفاه الله ..


ختاماً
:

قمتُ بت قديم هذه القراءة النقدية والفنية تقديراً وعرفاناً لأهمية مكانه ودور الأستاذ الفنان الكبير/ محمد مرشد ناجي في مسار تاريخ الغناء اليمني وتطوير .. نعم جاءت قراءتي النقدية بصورة مختزلة لتجربة فنية وإنسانية ثرية عميقة الأثر متعددة الوجهات والمحاور ستظل راسخة في الضمير والوجدان والذاكرة المتعبة المرهقة وعلى وجه الخصوص بعد أن تلقت الأوساط الفنية والثقافية الأدبية والإبداعية والجماهير العريضة على إمتداد خارطة اليمن والخليج وال جزيرة الوطن العربي بأسره في عصر يوم الخميس الموافق 7 / فبراير/ 2013م نبأ خبر وفاة آخر حصون وقلاع فن الغناء والطرب الأصيل، رحيل الفنان والمناضل المثقف والأديب وال تربوي وال مؤرخ محمد مرشد ناجي عن عمر ناهز (84عاماً) .. قدم ( أبو علي ) رحمه الله إبداعات فنية استثنائية ويُعد رافداً للأصالة والمعاصرة ، وفي الواقع تضمنت هذه القراءة بين ثنايا حروفها وسطورها النابضة في المقام الأول (رسالة حب و وفاء) لواحد من أهم رواد ورموز الغناء في اليمن (وآخر عناقيد الإبداع).

أجزم أنني لا زلت أرزح تحت أعباء وأثقال وتداعيات وفاته.. أحسن مقيما في خلاياي ، صوته ، صورته ، ضحكاته ومداعباته لا تفارقنا منذ شبابنا حتى شيخوختنا وبكل ملامحها ماثلة أمامي وقبالي تعبث بلغت وتعطل تفكيري .. لقد كان مشهد تشييع الجنازة مؤثراً وموجعاً ولم يكن على الإطلاق لائقاً بتاريخه ومكانته وعطاءاته ونتاجاته التي أتحفنا وأسعدنا من خلالها بفنه البديع منذ (ستة عقود من زمن الغناء الأصيل و الريادة والتأسيس) .. ونستطيع القول أن تجربته الإبداعية والنضالية والوطنية وشمت في ذاكرة الوطن ، غابت الجهات الرسمية والمختصة وتصدرت الشخصيات العدنية والجماهير المحتشدة التي توافدت رغم ضيق الوقت وتواجدت لتجسد بحضورها معاني وسطوراً كتبت بأحرف من ضياء ونور أبرز وأعظم عناوين المحبة والوفاء والعرفان.

أننا نؤمن بالقضاء والقدر ولا إعتراض على إرادة ومشيئة الله .. (والموت) الحقيقة المطلقة الوحيدة للإنسان في الأرض .. فالنفس البشرية وديعة الخالق سبحانه وتعالى تعود إليه.. لكننا لسنا بملائكة لدينا من نقاط الضعف ما يجعلنا نشعر بالغربة والوحشة لفراق ورحيل (الأب الروحي الحنون الموسوعة الأدبية والفنية ) فقد كان رحمه الله (مؤنسنا ) رغم ما كان يعانيه من التغييب والجحود وشدة وطأة المرض والوهن وكبر السن في السنوات الأخيرة ومع ذلك كان وسيظل (قاموسنا الفني و مرجعيتنا في حياته وبعد مماته ) ..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.